Powered By Blogger

الخميس، 2 أكتوبر 2014

بحث فى القضاء والتحكيم فى السنة النبوية وآثار الصحابة


القضاء والتحكيم فى السنة النبوية وآثار الصحابة



مقدمة

إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعين به ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله تعالى فلا مضل له ومن يضلل فلا هادىَ له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وخليله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الله به الغمة وجاهد فى الله حق جهاده حتى أتاه اليقين ، فاللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم ، وبارك اللهم على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم فى العالمين إنك حميد مجيد ، وإرض اللهم عن الصحابة والتابعين وتابعيهم إلى يوم الدين . اللهم إجعلنا سلماً على أولياءك حرباً على أعداءك نحب بحبك من أحبك ونعادى بعداوتك من يعاديك ، اللهم إجعلنا مفاتيح خير مغاليق شر وإهدنا يا ربنا إلى ما إختلف فيه من الحق إنك تهدى من تشاء إلى صراط مستقيم . أما بعد ،،

قال تعالى " وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى " . النجم .
و قال رسول الله صل الله عليه وسلم "  ألَا إنِّي أوتيتُ القرآنَ ومثلَهُ معه " الألبانى فى صفة الصلاة .
وقال تعالى " قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ " آل عمران 31 .

إذن كان لزاماً علينا أن نتبع الرسول وسننه فى كل شيئ وقد بحثت فى الأحاديث النبوية عن نصوص تعرض لنا قواعد وأساليب القضاء والتحكيم بين الناس لأعرضها على الدارسين للتحكيم الدولى وما نص عليه قانون التحكيم المصرى 27 لسنة 1994 ، ووجدت ما فى صحيح البخارى ومسلم وغيرهم من الثقاة وراجعت الأحدايث الواردة على موقع " الدرر السنية " على شبكة الإنترنت لأتأكد من صحة الأحاديث الواردة وأسانيدها .

فخصصت الباب الأول من البحث لبعض الأحاديث الواردة عن رسول الله صلى عليه وسلم فى هذا الموضوع ، أما الباب الثانى فقد خصصته لبعض ماجاء فى أثار الصحابة الكرام وعلماء الأمة الثقاة عن القضاء والتحكيم . راجيا الله عز وجل أن ينفعنا بما عُلمنا ويعلمنا ما ينفعنا ويزيدنا علماً إلى علمنا . هذا وإن كان من توفيق فمن الله وحده ، وإن كان من خطاً او نسيان فمن نفسى ومن الشيطان ، والله من وراء القصد .

أبو محمد أحمد بن العربى محيسن

دمياط / مصر
الجمعة ، 13 من ربيع أول 1434 / 25من يناير 2013





 الباب الأول : الأحاديث الواردة فى القضاء والتحكيم

B عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( لأقضينَّ بينكما بكتابِ اللهِ ) .
 رواه البخارى فى صحيح البخارى ( 7278 ) .


B عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه سمِعْتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ : ( لا حسدَ إلا في اثنتينِ : رجلٍ آتاه اللهُ مالًا ، فسلَّطه على هلكتِه في الحقِّ ، ورجلٍ آتاه اللهُ حكمـةً، فـهو يقضـي بـها ويعلِّمُها  ) .
رواه البخــارى فـى صحيح البخارى ( 1409 ) ، ( 7141 ) ، (7316 ) / مسلم فى صحيح مسلم ( 816 ) / أحمد شاكر من مسند أحمد ( 78/6 ) / الألبانى من صحيح بن ماجة وصحيح الجامع .


B عن ابن بُرَيدَةَ، عَنْ أَبيهِ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( القُضَاةُ ثَلاثَةٌ: اثنانِ في النَّارِ، وواحِدٌ في الجَنَّةِ:رَجُلٌ عَرَفَ الحقَّ، فَقَضى بهِ، فهو في الجَنَّةِ.ورَجُلٌ عَرَفَ الحقَّ، فَلَمْ يَقْضِ بهِ، وجَارَ في الحُكمِ، فهو في النَّارِ.ورَجُلٌ لَمْ يَعْرِفِ الحقَّ، فقَضَى للنَّاسِ على جَهْلٍ، فهو في النَّارِ ) .
رواه أبو داود (3573)، وابن ماجة (2315)، والنَّسائي (5891)، والترمذي (1322)، وإسناده جيد، وقد أخرجه الحاكم 4/90 وقال: صحيح الاسناد.


B عن عمرو بن العاص رضي الله عنه ، أنَّهُ سَمَعَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: ( إِذا حَكَمَ الحَاكِمُ، فَاجتَهَدَ، ثم أَصَابَ، فَلَهُ أَجْرَانِ، وإِذا حَكَمَ، فاجْتَهَدَ، ثم أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ ).
رواه البخاري (1178)، ومسلم (1716)، وهو في مسند الإمام أحمد (17774).

B عن عليِّ بن أبِي طالب رضي الله عنه ، قـال : قال لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا تَقَاضَى إِليكَ رَجُلانِ، فَلا تَقْضِ لِلأوَّلِ حَتَّى تَسْمَعَ كَلامَ الآخَر، فَسَوفَ تَدري كيفَ تَقضِي ) . قال عليٌّ: (فَمَا زِلْتُ قَاضِياً بَعْدُ).
أخرجه الإمام أحمد (690)، وأبو داود (3582)، والترمذي (1331).


B عن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قضى بيمينٍ وشاهدٍ.
أخرجه مسلم في الأقضية. ( 1712 ) وأبو داود فى سنن أبى داود ( 3608 ) وصححه الألبانى .


B كتب نفيع بن الحارث الثقفي أبو بَكرةَ إلى ابنِه، وكان بسِجِسْتانَ، بأن لا تقضيَ بينَ اثنينِ وأنتَ غَضبانُ، فإنِّي سمِعْتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ : ( لا يَقضِيَنَّ حَكَمٌ بينَ اثنينِ وهو غَضبانُ ) .
رواه البخارى فى صحيح البخارى ( 7158 ) .


B عن أم سلمة هند بنت أبي أمية رضى الله عنها سمِعْتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ : ( إنما أنا بشر ، وإنكم تختصمون إلي ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ، وأقضي له على نحو مما أسمع ، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذ ، فإنما أقطع له قطعة من النار ) .
رواه البخارى فى صحيح البخارى ( 7169 ) .


B عن أم سلمة هند بنت أبي أمية رضى الله عنها قالت : سمِع النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جَلَبَةَ خِصامٍ عِندَ بابِه ، فخرَج عليهم فقال : ( إنما أنا بشرٌ ، وإنه يأتيني الخَصمُ ، فلعلَّ بعضًا أن يكونَ أبلغَ من بعضٍ ، أقضي له بذلك ، وأحسِبُ أنه صادقٌ ، فمَن قضَيتُ له بحقِّ مسلمٍ فإنما هي قطعةٌ منَ النارِ ، فلْيَأخُذْها أو لِيَدَعْها ) .
رواه البخارى فى صحيح البخارى ( 7184 ) .

B عن عبد الله بن عباس رضى الله عنها قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لو يُعْطَى الناسُ بدعواهُم لادّعَى قومٌ دماءَ قومٍ وأموالهُم ، ولكنّ البيّنَة على المُدّعِي ، واليمينُ على من أنكرَ ) .
النووى فى الأربعون النووية ( 33 ) .

B عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( بينما امرأتانِ معهما ابناهما . جاءَ الذئبُ فذهبَِ بابنِ إحداهما . فقالتْ هذهِ لصاحبتها : إنما ذهبَ بابنكِ أنتِ . وقالتِ الأخرى : إنما ذهبَ بابنكِ . فتحاكمَتا إلى داودُ . فقضَى بهِ للكُبْرى . فخرجتا على سليمانَ بن داودٍ عليهما السلامُ . فأخبرتاهُ . فقال : ائتُونِي بالسكينِ أشقّهُ بينكُما . فقالتْ الصغْرى : لا . يرحمُكَ اللهُ ! هو ابنها . فقضَى بهِ للصُغْرى ) قال : قال أبو هريرةَ : واللهِ ! إن سمعتُ بالسكينِ قط إلا يومئذٍ . ما كنا نقولُ إلا المديةَ  .
أخرجه مسلم في الأقضية. ( 1702 ) ، رواه البخارى فى صحيح البخارى ( 3427 ) .

B عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( اشترى رجلٌ من رجلٍ عقارا لهُ . فوجدَ الرجلَ الذي اشترى العقارَ في عقارهِ جرةً فيها ذهبٌ . فقال له الذي اشترى العقارَ : خُذْ ذهبكَ منّي . إنما اشتريتُ منكَ الأرضَ . ولم أبتعِ منكَ الذهبَ . فقال الذي شَرى الأرضَ : إنما بعتكَ الأرضَ وما فيها . قال : فتحاكَما إلى رجلٍ . فقال الذي تحاكَما إليهِ : ألَكُما ولدٌ ؟ فقال أحدهما : لي غُلامٌ . وقال الآخر : لِي جاريةٌ . قال : أنْكِحُوا الغلامَ الجاريةَ . وأنْفُقوا على أنفُسكُما منهُ . وتصدَّقا ) .
أخرجه مسلم في الأقضية. ( 1721 ) ، رواه البخارى فى صحيح البخارى ( 3472 ) .

B عن جابر بن عبد الله رضى الله عنه قال : لما رجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرة البحر قال ألا تحدثوني بأعاجيب ما رأيتم بأرض الحبشة قال فتية منهم بلى يا رسول الله بينا نحن جلوس مرت بنا عجوز من عجائز رهابينهم تحمل على رأسها قلة من ماء فمرت بفتى منهم فجعل إحدى يديه بين كتفيها ثم دفعها فخرت على ركبتيها فانكسرت قلتها فلما ارتفعت التفتت إليه فقالت : سوف تعلم يا غدر إذا وضع الله الكرسي وجمع الأولين والآخرين وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون فسوف تعلم كيف أمري وأمرك عنده غدا قال يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( صدقت صدقت ، كيف يقدس الله أمة لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم ) .
الألبانى عن صحيح بن ماجة ( 3255 ) .

B عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنَّ قريشًا أهمَّهم شأنُ المرأةِ المخزوميَّةِ التي سرقت في عهدِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ . في غزوةِ الفتحِ . فقالوا : من يُكلِّمُ فيها رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ؟ فقالوا : ومن يجترئُ عليه إلا أسامةُ بنُ زيدٍ ، حِبُّ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ؟ فأتى بها رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ . فكلَّمه فيها أسامةُ بنُ زيدٍ . فتلوَّنَ وجهُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ . فقال ( أتشفعُ في حدٍّ من حدودِ اللهِ ؟ ) فقال له أسامةُ : استغفِرْ لي . يا رسولَ اللهِ ! فلما كان العشيُّ قام رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فاختطب . فأثنى على اللهِ بما هو أهلُه . ثم قال ( أما بعد . فإنما أهلك الذين مَن قبلكم ، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريفُ ، تركوه . وإذا سرق فيهم الضعيفُ ، أقاموا عليه الحدَّ . وإني ، والذي نفسي بيدِه ! لو أنَّ فاطمةَ بنتَ محمدٍ سرقت لقطعتُ يدَها ) ثم أمر بتلك المرأةِ التي سرقتْ فقُطعَتْ يدُها . قال يونس : قال ابنُ شهابٍ : قال عروةُ : قالت عائشةُ : فحسنُتْ توبتُها بعد . وتزوَّجتْ . وكانت تأتيني بعد ذلك فأرفعُ حاجتَها إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ  .
أخرجه مسلم في الحدود. ( 1688 ) .

B عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنَّ قُرَيشًا أهَمَّتهُمُ المَرأةُ المَخْزوميَّةُ التي سَرَقَت، فقالوا : مَن يُكَلِّمُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومَن يَجْتَرئُ عليه إلَّا أُسامَةُ، حِـبُّ رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، فكَلَّمَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، فقــال : ( أتَشْفَعُ في حَدٍّ مِن حُدودِ الله ) . ثم قامَ فخطبَ، قال : ( يا أيُّها الناسُ، إنَّما ضلَّ مَن كان قَبلَكم، أنهُم كانوا إذا سرَقَ الشَّريفُ تَرَكوه، وإذا سَرَقَ الضَّعيفُ فيهِم أقاموا عليه الحَدَّ، وايْمُ اللهِ، لو أنَّ فاطِمَةَ بنتَ مُحمدٍ سَرَقَت لَقطَعَ مُحمدٌ يَدَها) .
رواه البخارى فى صحيح البخارى ( 6788 ) . 




الباب الثانى : بعض ما جاء فى آثار الصحابة الكرام وعلماء الأمة الثقاة عن القضاء والتحكيم


B ما جاء فى رسالة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما لما ولاه قضاء الكوفة يقول فيها:
بسم الله الرحمن الرحيم، سلام عليك، أما بعد، فإن القضاء فريضة محكمة، وسنة متبعة، فافهم إذا أدلي إليك، وانفذ إذا تبين لك، فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له، آس بين الناس في مجلسك وفي وجهك وقضائك حتى لا يطمع شريف في حيفك، وييأس ضعيف من عدلك، البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر، والصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحا أحلّ حراما، أو حرم حلالا، ومن ادعى حقا غائبا أو بينه فاضرب له أمدا ينتهي إليه، فإن بينه أعطيته بحقه، وإن أعجزه ذلك استحللت عليه القضية، فإن ذلك هو أبلغ في العذر وأجلى للعماء، ولا يمنعك قضاء قضيته فراجعت فيه رأيك، فهديت فيه لرشدك أن تراجع فيه الحق، فإن الحق قديم لا يبطله شيء، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل، والمسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجربا عليه شهادة زور، أو مجلودا في حد، أو ظنينا في ولاء أو قرابة، فإن الله تعالى تولى من العباد السرائر، وستر عليهم الحدود، إلا البينات والأيمان، ثم الفهم الفهم فيما أدلي إليك مما ورد عليك مما ليس في قرآن ولا سنة، ثم قايس الأمور عند ذلك، واعرف الأمثال ثم اعمد فيما ترى إلى أحبها إلى الله، وأشبهها بالحق، وإياك والغضب والقلق والتأذي بالناس، والنكر عند الخصومة، فإن القضاء في مواطن الحق مما يوجب الله به الأجر ويحسن به الذكر، فمن خلصت نيته في الحق - ولو على نفسه  - كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن تزين بما ليس في نفسه شانه الله، فإن الله تعالى لا يقبل من العباد إلا ما كان خالصا، فما ظنك بثواب عند الله في عاجل رزقه وخزائن رحمته، والسلام .
* رواها ابن عُيينة وأبو بكر الهذليّ ومَسلمة بن محارب رووها عن قتادة ورواها أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم عن عبيد اللَّه بن أبي حُميد الهذلي عن أبي المليح أسامة الهُذليّ .


B ما جاء فى إعلام الموقعين عن رب العالمين / باب خطر تولى القضاء :
 وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْقَاضِي مِنْ الْوَعِيدِ وَالتَّخْوِيفِ مَا لَمْ يَأْتِ نَظِيرُهُ فِي الْمُفْتِي ، كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا ذُكِرَ عِنْدَهَا الْقُضَاةُ فَقَالَتْ : سَمِعْت [ ص: 30 ] رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { يُؤْتَى بِالْقَاضِي الْعَدْلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَلْقَى مِنْ شِدَّةِ الْحِسَابِ مَا يَتَمَنَّى أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي تَمْرَةٍ قَطُّ } وَرَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ يَرْفَعُهُ : { مَا مِنْ حَاكِمٍ يَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ إلَّا وُكِّلَ بِهِ مَلَكٌ آخِذٌ بِقَفَاهُ حَتَّى يَقِفَ بِهِ عَلَى شَفِيرِ جَهَنَّمَ ، فَيَرْفَعَ رَأْسَهُ إلَى اللَّهِ فَإِنْ أَمَرَهُ أَنْ يَقْذِفَهُ قَذَفَهُ فِي مَهْوَى أَرْبَعِينَ خَرِيفًا } وَفِي السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ ، اثْنَانِ فِي النَّارِ وَوَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ : رَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ ، وَرَجُلٌ قَضَى بَيْنَ النَّاسِ بِالْجَهْلِ فَهُوَ فِي النَّارِ ، وَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَجَارَ فَهُوَ فِي النَّارِ } .
وَقَالَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : وَيْلٌ لِدَيَّانِ مَنْ فِي الْأَرْضِ مِنْ دَيَّانِ مَنْ فِي السَّمَاءِ ، يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ ، إلَّا مَنْ أَمَرَ بِالْعَدْلِ ، وَقَضَى بِالْحَقِّ ، وَلَمْ يَقْضِ عَلَى هَوًى ، وَلَا عَلَى قَرَابَةٍ ، وَلَا عَلَى رَغَبٍ وَلَا رَهَبٍ ، وَجَعَلَ كِتَابَ اللَّهِ مِرْآةً بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ طَلَبَ قَضَاءَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يَنَالَهُ ثُمَّ غَلَبَ عَدْلُهُ جَوْرَهُ فَلَهُ الْجَنَّةُ ، وَمَنْ غَلَبَ جَوْرُهُ عَدْلَهُ فَلَهُ النَّارُ } وَفِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { اللَّهُ مَعَ الْقَاضِي مَا لَمْ يَجُرْ ، فَإِذَا جَارَ بَرِئَ اللَّهُ مِنْهُ وَلَزِمَهُ الشَّيْطَانُ } وَفِيهِ مِنْ حَدِيثِ حُسَيْنِ الْمُعَلِّمِ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إنَّ اللَّهَ مَعَ الْقَاضِي مَا لَمْ يَجُرْ ، فَإِذَا جَارَ وَكَّلَهُ إلَى نَفْسِهِ } .
وَفِي السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ قَعَّدَ قَاضِيًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَقَدْ ذَبَحَ نَفْسَهُ بِغَيْرِ سِكِّينٍ } وَفِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { وَيْلٌ لِلْأُمَرَاءِ ، وَوَيْلٌ لِلْعُرَفَاءِ ، وَوَيْلٌ لِلْأُمَنَاءِ ، لَيَتَمَنَّيَنَّ أَقْوَامٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَّ نَوَاصِيَهُمْ كَانَتْ مُعَلَّقَةً بِالثُّرَيَّا يَتَجَلْجَلُونَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، وَأَنَّهُمْ لَمْ يَلُوا عَمَلًا } .

B ما جاء فى تاريخ قضاة الأندلس / الباب الأول / القضاء وما ضارعه :
قال المؤلف أدام الله توفيقه!: ومن قلد الحكم بين الخلق والنظر في شيء من أمورهم: فهو أحوج الناس إلى هذا النور وإلى اتصافه بالتذكير والتيقظ والتفطن. ولذلك كان إسماعيل بن إسحاق، قاضي القضاة ببغداد، يقول: من لم تكن فيه، لم يكن له أن يلي القضاء. وقال ابن المواز: لا ينبغي أن يستقضى إلا ذكى، فطن، فهم، فقيه، متأن، غير عجول، وذكر أن عمر بن عبد العزيز قال: لا يصلح للقضاء إلا القوي على أمر الناس، المستخف بسخطهم وملامتهم في حق الله، العالم بأنه، مهما اقترب من سخط الناس وملامتهم في الحق والعدل والقصد، استفاد بذلك ثمناً ربيحاً من رضوان الله!.
فصل قال عز الدين أبو محمد عبد العزيز بن عبد السلام: وقد أجمع المسلمون على أن الولاة أفضل من غيرهم. وتفصيل ذلك أن الولاية تشتمل على غرض شرعي، وغرض طبعي؛ فنهى عنها من يغلبه طبعه وهواه، وأمر بها من يكون قاهراً لطبعه، غالباً لهواه. فلا يتولاها من لا يملك هواه إلا أن يتعين لها؛ فيجب عليه أن يتولاها، وأن يجاهد نفسه في دفع هواه ما استطاع. ومما يشير إلى الترغيب في الحكم لمن قدر على العدل فيه، قول رسول الله صلى الله عليه وسلم! " إن المقسطين عند الله يوم القيامة، على منابر من نور عن يمين الرحمن. وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوه. " وقوله " عن يمين الرحمن " معناه في الحالة الحسنة والمنزلة الرفيعة؛ والعرب تنسب الفعل المحمود والإحسان إلى اليمين، وضده إلى الشمال أي المنزلة الخسيسة؛ وأما الأقساط، فهو العدل؛ يقال: أقسط إذا عدل . قال الله تعالى: " وأقسطوا إن الله يحب المقسطين! " وفي كتاب أبي حبيب، عن ابن شهاب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم! قال: " ما من أحد أقرب مجلساً من الله يوم القيامة، بعد ملك مصطفى، أو نبي مرسل، من إمام عدل! " وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم! قال: " إن الله مع القاضي، ما لم يحف عمداً. " وفي الصحيح: إذا حكم الحاكم، ثم اجتهد فأصاب، فله أجران؛ وإذا حكم فاجتهد، ثم أخطأ، فله أجر واحد. قال أهل العلم: والمراد هنا بالحاكم، البصير بالحكومة، المتحري العدل. وقد استدل بهذا الحديث من يرى أن كل مجتهد مصيب، لأنه صلى الله عليه وسلم ! جعل له أجراً. واحتج به أيضاً أصحاب القول الآخر بأن المصيب واحد والحق في طرف واحد، لأنه، لو كان كل واحد مصيباً، لم يسم أحدهما مخطئاً، فيجمع الضدين في حالة واحدة. قال القاضي أبو الفضل بن موسى في إكماله: والقول بأن الحق في طرفين هو قول أكثر أهل التحقيق من المتكلمين والفقهاء؛ وهو مروى عن مالك والشافعي وأبي حنيفة، وإن كان قد حكى عن كل واحد منهم اختلاف في هذا الأصل. وهذا كله في الأحكام الشرعية. وأما ما يتعلق بأصل وقاعدة، من أصول التوحيد وقواعده، مما مبتناه على قواطع الأدلة العقلية، فإن الخطأ في كل هذا غير موضوع، والحق فيها في طرف واحد، بإجماع من أرباب الأصول والمصيب فيها واحد، إلا ما روى عن عبد الله العنبري، من تصويبه المجتهدين في ذلك، وعذره لهم؛ وحكى مثله عن داوود وكله لا يلتفت إليه، وقد حكى عن العنبري أن مذهبه في ذلك على العموم؛ وعندي أنه إنما يقول ذلك في أهل الملة دون الكفرة؛ والاجتهاد المذكور في هذا الباب هو بذل الوسع في طلب الحق والصواب في النازلة. انتهى.
وفي حديث معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم! أذن له أن يجتهد برأيه فيما لم يكن في الكتاب والسنة؛ وقد ورد: ما من قاضٍ يقضي بالحق إلا كان عن يمينه ملك وعن شماله ملك، إلى غير ذلك مما جاء في هذا الباب.
فصل في الخصال المعتبرة في القضاة من التنبيهات وشروط القضاء، التي لا يتم للقاضي قضاؤه إلا بها، عشرة: الإسلام؛ والعقل؛ والذكورية؛ والحرية؛ والبلوغ؛ والعدالة؛ والعلم؛ وسلامة حاسة السمع والبصر من العمى والصمم؛ وسلامة حاسة اللسان من البكم؛ وكونه واحداً لا أكثر؛ فلا يصح تقديم إثنين على أن يقضيا معاً في قضية واحدة، لاختلاف الأغراض، وتعذر الاتفاق وبطلان الأحكام بذلك.
ثم من هذه الشروط ما إذا عدم فيمن قلد القضاء بجهل، أو غرض فاسد، ثم نفذ منه حكم، فإنه لا يصح ويرد؛ وهي الخمسة الأولى: الإسلام؛ والعقل؛ والبلوغ؛ والذكورية؛ والحرية. وأما الخمسة الأخرى، فينفذ من أحكام من عدمت منه ما يوافق الحق، إلا الجاهل الذي يحكم برأيه. وأما الفاسق، ففيه خلاف بين أصحابنا؛ هل يرد ما حكم به، وإن وافق الحق وهو الصحيح، أم يمضي إذا وافق الحق ووجه الحكم.
وشروط الكمال عشرة أيضاً: خمسة أوصاف ينتفي عنها، وخمسة لا ينتفي؛ منها أن يكون غير محدود؛ وغير مطعون عليه في نسبه بولادة اللعان والزنا؛ وغير فقير؛ وغير أمي؛ وغير مستضعف؛ وأن يكون فطناً، نزيهاً، مهيباً، حليماً، مستشيراً لأهل العلم والرأي.

B ما جاء فى المغنى / الجزء العاشر/كتاب القضاء/فصل  والقضاء من فروض الكفايات :
والقضاء من فروض الكفايات ; لأن أمر الناس لا يستقيم بدونه ، فكان واجبا عليهم ، كالجهاد والإمامة . قال أحمد : لا بد للناس من حاكم ، أتذهب حقوق الناس ، وفيه فضل عظيم لمن قوي على القيام به ، وأداء الحق فيه ، ولذلك جعل الله فيه أجرا مع الخطأ ، وأسقط عنه حكم الخطأ ، ولأن فيه أمرا بالمعروف ، ونصرة المظلوم ، وأداء الحق إلى مستحقه ، وردا للظالم عن ظلمه ، وإصلاحا بين الناس ، وتخليصا لبعضهم من بعض ، وذلك من أبواب القرب ; ولذلك تولاه النبي صلى الله عليه وسلم والأنبياء قبله ، فكانوا يحكمون لأممهم ، وبعث عليا إلى اليمن قاضيا ، وبعث أيضا معاذا قاضيا .
وقد روي عن ابن مسعود ، أنه قال : لأن أجلس قاضيا بين اثنين ، أحب إلي من عبادة سبعين سنة . وعن عقبة بن عامر ، قال : { جاء خصمان يختصمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي : اقض بينهما . قلت : أنت أولى بذلك . قال : وإن كان . قلت : علام أقضي قال : اقض ، فإن أصبت فلك عشرة أجور ، وإن أخطأت فلك أجر واحد } . رواه سعيد في " سننه " . ( 8216 ) فصل : وفيه خطر عظيم ووزر كبير لمن لم يؤد الحق فيه ، ولذلك كان السلف ، رحمة الله عليهم ، يمتنعون منه أشد الامتناع ، ويخشون على أنفسهم خطره .

B ما جاء فى المغنى / الجزء العاشر / كتاب القضاء / فصل  والناس في القضاء على ثلاثة أضرب :
والناس في القضاء على ثلاثة أضرب ; منهم من لا يجوز له الدخول فيه ، وهو من لا يحسنه ، ولم تجتمع فيه شروطه ، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { القضاة ثلاثة ذكر منهم رجلا قضى بين الناس بجهل ، فهو في النار } . ولأن من لا يحسنه لا يقدر على العدل فيه ، فيأخذ الحق من مستحقه ويدفعه إلى غيره .
ومنهم ، من يجوز له ، ولا يجب عليه ، وهو من كان من أهل العدالة والاجتهاد ، ويوجد غيره مثله ، فله أن يلي القضاء بحكم حاله وصلاحيته ، ولا يجب عليه ; لأنه لم يتعين له . وظاهر كلام أحمد ، أنه لا يستحب له الدخول فيه ; لما فيه من الخطر والغرر ، وفي تركه من السلامة ، ولما ورد فيه من التشديد والذم ، ولأن طريقة السلف الامتناع منه والتوقي ، وقد أراد عثمان رضي الله عنه تولية ابن عمر القضاء فأباه .
وقال أبو عبد الله بن حامد : إن كان رجلا خاملا ، لا يرجع إليه في الأحكام ، ولا يعرف فالأولى له توليه ، ليرجع إليه في الأحكام ، ويقوم به الحق ، وينتفع به المسلمون ، وإن كان مشهورا في الناس بالعلم ، يرجع إليه في تعليم العلم والفتوى ، فالأولى الاشتغال بذلك ، لما فيه من النفع مع الأمن من الغرر . ونحو هذا قال أصحاب الشافعي ، وقالوا أيضا : إذا كان ذا حاجة ، وله في القضاء رزق ، فالأولى له الاشتغال به ، فيكون أولى من سائر المكاسب ; لأنه قربة وطاعة . وعلى كل حال ، فإنه يكره للإنسان طلبه ، والسعي في تحصيله ; لأن أنسا روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { من ابتغى القضاء ، وسأل فيه شفعاء ، وكل إلى نفسه ، ومن أكره عليه ، أنزل الله عليه ملكا يسدده } . قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب . { وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن سمرة : يا عبد الرحمن ، لا تسأل الإمارة ; فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها ، وإن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها } . متفق عليه .
الثالث : من يجب عليه ، وهو من يصلح للقضاء ، ولا يوجد سواه ، فهذا يتعين عليه ; لأنه فرض كفاية ، لا يقدر على القيام به غيره فيتعين عليه ، كغسل الميت وتكفينه . وقد نقل عن أحمد ما يدل على أنه لا يتعين عليه ، فإنه سئل : هل يأثم القاضي إذا لم يوجد غيره ؟ قال : لا يأثم .
فهذا يحتمل أنه يحمل على ظاهره ، في أنه لا يجب عليه ، لما فيه من الخطر بنفسه ، فلا يلزمه الإضرار بنفسه لنفع غيره ، ولذلك امتنع أبو قلابة منه ، وقد قيل له : ليس غيرك . ويحتمل أن يحمل على من لم يمكنه القيام بالواجب ، لظلم السلطان أو غيره ; فإن أحمد قال : لا بد للناس من حاكم ، أتذهب حقوق الناس ، .

B ما جاء فى المغنى / الجزء العاشر / كتاب القضاء / فصل  ويجوز للقاضي أخذ الرزق:
ويجوز للقاضي أخذ الرزق ، ورخص فيه شريح ، وابن سيرين ، والشافعي ، وأكثر أهل العلم . [ ص: 91 ] وروي عن عمر رضي الله عنه أنه استعمل زيد بن ثابت على القضاء ، وفرض له رزقا . ورزق شريحا في كل شهر مائة درهم . وبعث إلى الكوفة عمارا وعثمان بن حنيف وابن مسعود ، ورزقهم كل يوم شاة ; نصفها لعمار ونصفها لابن مسعود وعثمان ، وكان ابن مسعود قاضيهم ومعلمهم . وكتب إلى معاذ بن جبل ، وأبي عبيدة ، حين بعثهما إلى الشام ، أن انظرا رجالا من صالحي من قبلكم ، فاستعملوهم على القضاء ، وأوسعوا عليهم ، وارزقوهم ، واكفوهم من مال الله وقال أبو الخطاب : يجوز له أخذ الرزق مع الحاجة ، فأما مع عدمها فعلى وجهين .
وقال أحمد : ما يعجبني أن يأخذ على القضاء أجرا ، وإن كان فبقدر شغله ، مثل والي اليتيم . وكان ابن مسعود والحسن يكرهان الأجر على القضاء . وكان مسروق ، وعبد الرحمن بن القاسم بن عبد الرحمن ، لا يأخذان عليه أجرا ، وقالا : لا نأخذ أجرا على أن نعدل بين اثنين .
وقال أصحاب الشافعي : إن لم يكن متعينا جاز له أخذ الرزق عليه ، وإن تعين لم يجز إلا مع الحاجة . والصحيح جواز أخذ الرزق عليه بكل حال ; لأن أبا بكر رضي الله عنه لما ولي الخلافة ، فرضوا له الرزق كل يوم درهمين . ولما ذكرناه من أن عمر رزق زيدا وشريحا وابن مسعود ، وأمر بفرض الرزق لمن تولى من القضاة ، ولأن بالناس حاجة إليه ، ولو لم يجز فرض الرزق لتعطل ، وضاعت الحقوق .
فأما الاستئجار عليه ، فلا يجوز قال عمر رضي الله عنه : لا ينبغي لقاضي المسلمين أن يأخذ على القضاء أجرا . وهذا مذهب الشافعي ، ولا نعلم فيه خلافا ; وذلك لأنه قربة يختص فاعله أن يكون في أهل القربة ، فأشبه الصلاة ; ولأنه لا يعمله الإنسان عن غيره ، وإنما يقع عن نفسه ، فأشبه الصلاة ، ولأنه عمل غير معلوم . فإن لم يكن للقاضي رزق ، فقال للخصمين : لا أقضي بينكما حتى تجعلا لي رزقا عليه . جاز . ويحتمل أن لا يجوز .

B ما جاء فى المغنى / الجزء العاشر / كتاب القضاء / فصل  وينبغي أن يكون الحاكم قويا :
وينبغي أن يكون الحاكم قويا من غير عنف ، لينا من غير ضعف ، لا يطمع القوي في باطله ، ولا ييأس الضعيف من عدله ، ويكون حليما ، متأنيا ، ذا فطنة وتيقظ ، لا يؤتى من غفلة ، ولا يخدع لغرة ، صحيح السمع والبصر ، عالما بلغات أهل ولايته ، عفيفا ، ورعا ، نزها ، بعيدا من الطمع ، صدوق اللهجة ، ذا رأي ومشورة ، لكلامه لين إذا قرب ، وهيبة إذا أوعد ، ووفاء إذا وعد ، ولا يكون جبارا ، ولا عسوفا ، فيقطع ذا الحجة عن حجته .
قال علي رضي الله عنه : لا ينبغي أن يكون القاضي قاضيا حتى تكون فيه خمس خصال ; عفيف ، حليم ، عالم بما كان قبله ، يستشير ذوي الألباب ، لا يخاف في الله لومة لائم . وعن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ، قال : ينبغي للقاضي أن تجتمع فيه سبع خلال ، إن فاتته واحدة كانت فيه وصمة : العقل ، والفقه ، والورع ، والنزاهة ، والصرامة ، والعلم بالسنن ، والحكم . ورواه سعيد . وفيه : يكون فهما ، حليما ، عفيفا ، صلبا ، سآلا عما لا يعلم .
وفي رواية : محتملا للأئمة ; ولا يكون ضعيفا ، مهينا ، لأن ذلك يبسط المتخاصمين إلى التهاتر والتشاتم بين يديه ، وقال عمر رضي الله عنه : لأعزلن فلانا عن القضاء ، ولأستعملن رجلا إذا رآه الفاجر فرقه .
( 8224 ) فصل : وله أن ينتهر الخصم إذا التوى ، ويصيح عليه ، وإن استحق التعزير عزره بما يرى من أدب أو حبس . وإن افتات عليه بأن يقول : حكمت علي بغير الحق . أو : ارتشيت . فله تأديبه . وله أن يعفو .
وإن بدأ المنكر باليمين ، قطعها عليه ، وقال : البينة على خصمك . فإن عاد نهره ، فإن عاد عزره إن رأى . وأمثال ذلك مما فيه إساءة الأدب ، فله مقابلة فاعله ، وله العفو .

B ما جاء فى أخبار القضاة / باب القضاء والأعمال  يستعان عليها بالشفاعات / ص 49 :
حدثنا يعقوب بن إسحق أبو يوسف القلوسي؛ قال: حدثنا يحيى بن غيلان، قال: حدثنا أبو عوانة، عن عبد الأعلى، عن بلال بن مرداس، عن خيثمة، عن أنس، أن النبي عليه السلام قال: من سأل القضاء وابتغى عليه الشفاعة وكل إلى نفسه، ومن أكره عليه أنزل الله عليه ملكاً يسدده.
- حدثنا الحسن بن الحسن بن مسلم الحيري، وأحمد بن ملاعب بن حسان؛ قال: حدثنا أبو غسان، وحدثني محمد بن عبد الله بن الحارث؛ قال: حدثنا الحارث بن منصور؛ قالا: حدثنا إسرائيل، عن عبد الأعلى، عن بلال. قال الحيري: بلال بن أبي بردة، عن أنس، وقال ابن ملاعب: بلال رأى موسى، عن أنس، وقال الحارث بن منصور: بلال قال: سمعت أنس بن مالك يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من طلب القضاء، واستعان عليه وكل إليه، ومن لم يطلب، ولم يستعن عليه أنزل عليه ملك يسدده.
B ما جاء فى أخبار القضاة / باب صفة القضاة ومن ينبغي أن يستعمل على القضاء وما ينبغي للقاضي أن يعمل إذا تقلد القضاء / ص 54 :
حدثنا أحمد بن عمر بن بكير بن ماهان؛ قال: حدثنا أبي؛ قال: حدثنا الهيثم بن عدي، عن عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر؛ قال: قال عمر بن الخطاب: ينبغي أن يكون في القاضي خصال ثلاث؛ لا يضائع، ولا يضارع، ولا يتبع المطامع.
- حدثني علي بن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب؛ قال: حدثنا إبراهيم ابن بشار؛ قال: حدثنا سفيان؛ قال: حدثنا إدريس أبو عبد الله بن إدريس؛ قال: أتيت سعيد بن أبي بردة، فسألته عن رسائل عمر بن الخطاب التي كان يكتب بها إلى أبي موسى الأشعري، وكان أبو موسى قد أوصى إلى أبي بردة، وأخرج إلي كتاباً؛ فرأيت في كتاب منها:
أما بعد؛ فإن القضاء فريضة محكمة، وسنة متبعة، فافهم إذا أدلى إليك؛ فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له، واس بين الاثنين في مجلسك، ووجهك حتى لا يطمع شريف في حيفك، ولا يأيس وضيع وربما قال ضعيف من عدلك؛ الفهم الفهم فيما يتلجلج في صدرك وربما قال في نفسك ويشكل عليك؛ ما لم ينزل في الكتاب، ولم تجر به سنة؛ وأعرف الأشباه والأمثال، ثم قس الأمور بعضها ببعض، فانظر أقر بها إلى الله، وأشبهها بالحق فاتبعه، واعمد إليه، لا يمنعك قضاء قضيته بالأمس، راجعت فيه نفسك، وهديت فيه لرشدك، فإن مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل. المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلوداً حداً، أو مجرباً عليه شهادة زور، أو ظنيناً في ولاء قرابة، واجعل لمن ادعى حقاً غائباً أمداً ينتهي إليه، أو بينة عادلة؛ فإنه أثبت للحجة، وأبلغ في العذر، فإن أحضر بينةً إلى ذلك الأجل أخذ بحقه، وإلا وجهت عليه القضاء. البينة على من أدعى، واليمين على من أنكر. إن الله تبارك وتعالى تولى منكم السرائر، ودرأ عنكم الشبهات، وإياك والغلق والضجر، والتأذي بالناس، والتنكر للخصم في مجالس القضاء التي يوجب الله فيها الأجر، ويحسن فيها الذخر. من حسنت نيته، وخلصت فيما بينه وبين الله كفاه الله ما بينه وبين الناس، والصلح جائز فيما بين الناس، إلا ما أحل حراماً، أو حرم حلالاً؛ ومن تزين للناس بما يعلم الله منه غير ذلك شانه الله، فما ظنك بثواب غير الله في عاجل دنيا، وآجل آخرة والسلام.
- حدثنا إبراهيم بن محسن بن معدان المروزي؛ قال: أخبرنا عبيدة بن حميد؛ قال: حدثنا حفص بن صالح أبو عمر الأسدي، عن الشعبي؛ قال: كتب عمر بن الخطاب إلى معاوية وهو أمير بالشام: أما بعد، فإني كتبت إليك في القضاء بكتاب لم آلك فيه ونفسي خيراً، فالزم خصالاً يسلم دينك، وتأخذ بأفضل حظك عليك؛ إذا حضر الخصمان فالبينة العدول، والأيمان القاطعة؛ أدن الضعيف حتى يجتري قلبه وينبسط لسانه، ويعاهد الغريب، فإنه إن طال حبسه ترك حقه، وانطلق إلى أهله، وإنما أبطل حقه من لم يرفع به رأساً، واحرص على الصلح بين الناس ما لم يستبن لك القضاء.
حدثنا العباس بن محمد الدوري؛ قال: حدثنا حجاج بن محمد، عن ابن جريج، عن عطاء؛ قال: لا ينبغي للقاضي إذا تبين له القضاء أن يصلح بينهم.

إنتهى البحث ... 



خاتمة

حمداً لله وصلاةً وسلاماً على رسوله صلى الله عليه وسلم ، وبعد .. ما نقلته لكم من أحاديث وآثار وأخبار عن النبى والصحابة الكرام ما هو إلا بعض من بعض من بعض ، ونقلته لكم بإختصار شديد ولكن لخطورة الموضوع وأهميته وضرورته  خرجت بهذه الورقات داعياً الله عز وجل أن ينفعنا بها ويجعلها فى ميزان حسناتنا ، ولمن قرأ البحث بعناية فقد لاحظ خطورة تولى القضاء والتحكيم بين الناس ، ولكن لا تنس أخى الحبيب فضل هذا الأمر الذى هو من فروض الكفايات فبدونه لا تستقيم أمور الخلق وبدونه تضيع حقوق الناس ، وبدونه لا يُنصر مظلوماً ولا يُرد ظالماً عن ظلمه ، وبه إصلاحٌ بين الناس ولهذا تولاه الأنبياء وبعض من الصحابة الأخيار  .
والله أسأل أن أكون قد وفقت فيما نقلت ، فإن كان من توفيق فمن الله وحده وإن كان من خطأ أو نسيان فمنى ومن الشيطان ، هدانا الله وإياكم إلى صراطه المستقيم ، والله من وراء القصد .

تحياتى ،،
                   أبو محمد أحمد العربى 


المراجع

-        صحيح البخارى / للإمام أبى عبدالله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن بردزبة / المكتبة التوفيقية / القاهرة / الجزء الرابع .
-        موقع الدرر السنية  www.dorar.net
-        إعلام الموقعين عن رب العالمين / خطر تولى القضاء / محمد بن أبي بكر الزرعي ( ابن قيم الجوزية ) / دار الكتب العلمية / سنة النشر: 1411هـ/1991م / الطبعةالأولى / عدد الأجزاء: أربعة أجزاء
-        البيان والتبيين / الجزء الأول/ رسالة عمر / الجاحظ / ثلاثة أجزاء / منشور على شبكة الإنترنت .
-        تاريخ قضاة الأندلس / الباب الأول / أبو الحسن النبهانى / الناشر غير معروف .
-        المغنى  / الجزء العاشر / كتاب القضاء  / موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة / الطبعة الأولى / دار إحيار التراث العربي / 1405 هـ - 1985 م .

-        أخبار القضاة / لوكيع محمد بن خلف بن حيان / 306 هـ / مراجعة سعيد محمد اللحام / دار عالم الكتب .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق