Powered By Blogger

الأربعاء، 15 أكتوبر 2014

بحث فى الثقافة وأثرها على سلوك المستهلك


الثقافة وأثرها على سلوك المستهلك


مقدمة

        في منتصف القرن العشرين كان التسويق قد حقق تقدما كبيرا في ظل اقتصاديات السوق الحرة، وأصبحت هناك قناعة لدى المعنيين بشؤون التسويق بأن الأنشطة التسويقية يجب أن تكون موجهة لصالح المستهلك، حيث أخذ المفهوم الحديث للتسويق يظهر ويتأكد بعد الحرب العالمية الثانية وأصبح المستهلك يدخل مجال التطبيق العلمي، إذ أيقن المسوقون أن نشاطهم يبدأ وينتهي بالمستهلك، كما برزت أهمية الإعلان والترويج واكتشفت منظمات الإعلام المكثف على نطاق شامل، مما يخلق الطلب الواسع ويسمح للمؤسسات بصفة عامة وللمسوق بصفة خاصة التمتع بوفرات الإنتاج الكبير، ولا يتوقف هذا عند تحديد مفهوم المستهلك بل يمتد إلى تحليل سلوكه ودراسة العوامل المؤثرة فيه.

        تسعى منشآت الأعمال إلى تعريف المستهلكين الذين يمثلون السوق المستهدفة لمنتجاتهم (سلعية، خدمية) وتهتم بخصائصهم وأهم المؤثرات في سلوكهم الشرائي.
        كل هذه الانشغالات سنتطرق لها في أربع مباحث (ماهية سلوك المستهلك ، العوامل المؤثرة في سلوك المستهلك، تحليل قرارالمستهلك،دراسة نماذج سلوك المستهلك) .

 

أولا : ماهية سلوك المستهلك
        إن الغاية الأساسية من وراء إعداد خطة تسويقية على مستوى أي منظمة تتجلى في محاولة إقناع المستهلكين باقتناء منتجاتها لذا يعتبر المستهلك عاملا مهما يجب دراسته دراسة دقيقة و التركيز عليه ومن هنا تظهر أهميته القصوى، ولدراسته من حيث ماهيته، وأنواعه، والعوامل المؤثرة على سلوكه.

B مفهوم المستهلك وأنواعه
        منذ الوجود والإنسان يسعى لتأمين بقائه و ذلك عن طريق علاقات معينة مع الافراد حيث حيث يتفاعلون بينهم عن طريق تبادل المنفعة من أجل تحقيق هدف معين إذ يصدر عنهم مجموعة من الأعمال والنشاطات فيساهمون بذلك في عملية الاستهلاك فرادى وجماعات وبصورة تلقائية والفاعل الذي يقوم بعملية الاستهلاك لمختلف المواد القابلة لذلك يعرف بالمستهلك في المفهوم التسويقي فما حقيقة هذا المصطلح؟ وما هي المعايير المتخذة لتصنيف المستهلكين؟

1- تعريف المستهلك :

        لقد تعددت الآراء والاقتراحات حول إعطاء تعريف شامل للمستهلك الذي يعتبر العصب المحرك للعملية التسويقية حيث يمكن تعريفه حسب طبيعة النشاط التسويقي الذي يمارسه وحسب الغرض من وراء نشاطه التسويقي ويمكن إبراز هذه التعاريف على النحو الآتي:
        إن المستهلك من وجهة النظر الاقتصادية هو ذلك الفرد الذي يسعى دائما لسد حاجاته المادية والمعنوية قصد تلبية رغباته، مرتكزا في ذلك على ثنائية الدخل و أسعار السلع و الخدمات المعروضة.
          أما من الناحية الاجتماعية فهو ذلك الفرد الذي يتعايش مع طبقته الاجتماعية فيتأثر بها من خلال علاقات يسعى من ورائها لإشباع حاجاته وسد رغباته إلى أقصى درجة ممكنة.و من خلال هذين التصورين يمكن أن نقول :
        المستهلك هو ذلك الشخص الطبيعي أو المعنوي الذي يقوم باقتناء أوشراء المواد واللوازم التي توفر له إشباع حاجاته وسد رغباته السلعية والخدماتية.
المستهلك هو ذلك الشخص الذي يمارس نشاطه التسويقي باستمرار، و ذلك باتخاذ قرارات رشيدة للشراء من أجل اختيار مواد تحقق منفعته.    
كما يمكن القول أن المستهلك هو ذلك الشخص الذي يقوم بتكوين وخلق حلقة تسويقية منتظمة، بداية من المنتج، مرورا بالمشتري وصولا إلى المستهلك، وهذه الحلقة لها تأثير على العناصر المكونة لها.

        وبناء على ما سبق يمكن استخلاص تعريفا عاما للمستهلك مضمونه أن المستهلك هو كل شخص طبيعي أو معنوي يقوم بسلوك معين في إطار حلقة تسويقية منطقها دراسة سلوك المستهلك ومضمونها تحديد أهداف وغايات العناصر المشكلة لها، والتي تتميز بالحركية والتجدد حسب درجة تأثير مختلف العوامل، وطبيعة غرض الاقتناء أو الشراء.

2- أنواع المستهلكين :

        على ضوء ما ورد من تعاريف للمستهلك تبين لنا اختلاف أغراض الشراء أو الاستهلاك والاستخدام بصفة عامة والتردد على هذه العملية واختلاف السلوك الشرائي من مستهلك لأخر، لذا يمكن تحديد أنواع للمستهلك اعتمادا على أسس معينة، نسردها على النحو التالي:

ü أنواع المستهلكين على أساس الغرض من الشراء ونوع السوق التى ينتمي إليه المستهلك:
       
تتمثل أنواع المستهلكين على هذا الأساس في:

المستهلك النهائي أو الأخير: وينتمي إلى ما يعرف بسوق الأسر وهو فرد من العائلة، حيث يقوم باقتناء الخدمات وشراء السلع بغرض استخدامها أو استهلاكها، ومعظم مشترياته فردية إما تخصه شخصيا أو تخص عائلته كشراء أدوات منزلية، أطعمة،...الخ.

المستهلك الصناعي: ويعرف أيضا بالمشتري وينتمي إلى السوق الصناعية أو سوق الأعمال، وقد يكون فردا أو جماعة، حيث يقوم بشراء أو اقتناء سلع -خدمات ذات طابع خاص-، كأن يشتري منتجا تام الصنع أو مادة خام أو نصف مصنعة بغرض استخدامها في إنتاج أو تقديم سلعة-خدمة ثم يبيعها-، وعادة ما يمثل هذا المستهلك شركة تجارية، مؤسسة أو مصنع. و هو يشتري بكميات كبيرة وبطرق معقدة تمر بعدة مراحل، كما قد يكون مدنيا أو حكوميا.
المشتري الصناعي هو الذي يشتري السلع المختلفة ليس الهدف استهلاكها ولكن لكي تدخل في العملية الإنتاجية أو تساعد على الإنتاج .        

        الموزع / الوسيط / التاجر: هنالك من الاقتصاديين من يدرج الموزع أو الوسيط أو التاجر كنوع مستقل من المستهلكين، وقد يكون فردا أو منظمة، حيث يقوم هذا المستهلك بشراء سلع/خدمات بغرض إعادة بيعها لتحقيق منفعة معينة، غالبا ما تتمثل في تحقيق الأرباح.

مقارنة لأهم خصائص أنواع المشترين والمستهلكين


المستهلك النهائي
المشتري الصناعي
الوسطاء
1.يشتري بكميات محدودة
يشتري بكميات كبيرة
يشتري بكميات كبيرة
2.لديه معلومات محدودة عن السلعة أو الخدمة

2.لديه معلومات كاملة عن السلعة أو الخدمة

2.لديه معلومات كاملة عن السلعة أوالخدمة
3.طلبه على المنتج طلب مباشر
3.طلبه على المنتج طلب مشتق
3.طلبه على المنتج طلب مشتق
عدد محدود من الأفراد يؤثر على القرار
4.عدد كبير من الأفراد يؤثر على القرار
4. يتوقف قرار الشراء على طبيعة الوسيط
5.عدد لانهائي من المنتجات
5.عدد محدد من المنتجات
5.عدد المنتجات يحكمها نوع الطلب وحجم المساحة للتخزين
6.قد تؤثر عليه الدوافع الطبيعية أو الرشيدة
6. تحكمه دائما الدوافع الرشيدة
6. تحكمه دائما الدوافع الرشيدة
7.لا تحكمه إجراءات وقواعد الشراء
7. تحكمه إجراءات وقواعد الشراء
7.يتوقف قرار الشراء على مال المنظمة
8. لا تؤثر عليه عملية تعاون المورد
8. يهمه تعاون المورد
8. يتأثرون عند الشراء بالمنتجات المنافسة والمكلمة.

أنواع المستهلكين على أساس تكرار عملية الشراء ودرجة التأكد بالنسبة لحالة الشراء نجد :
مستهلكين غير محتملين: وهم الأفراد الذين تنعدم لديهم الرغبة والحاجة لبعض المنتجات المعروضة، وليس من المتوقع أن تنشأ لديهم هذه الحاجة في المستقبل.
مثلا: شخص ذو دخل محدودلا يكون مستهلكا للمعاطف المعروضة والمصنوعة من الفراء، أو لا يكون مستهلكا للمجوهرات.
المستهلكين المرتقبين: هـم الأفراد الذيـن يحتمـل أن يشتهوا شـراء المنتجـات المعروضة في المستقبل، أي لهم شعور ضعيف للحاجة إلى المنتج المعروض، وليس لديهم معلومات كافية عنه، ولا يمانعون في ذات الوقت عـن التعامل مـع منتجات المنافسين.
المستهلكين الفعليين أو المنتظمين: هم الأفراد الذين يشترون بانتظام، ويتكرر شراءهم للمنتج، أو تعاملهم مع المؤسسات، لذا على المؤسسات إدراك ولاء هؤلاء المستهلكين المرتكز على مقومات معينة، ويجب عليها الحفاظ على إشباع رغباتهم وحاجاتهم.

3- تصنيف المستهلكين :

        إن تعريف المستهلك يفرض تداخلا واضحا بين أنواع المستهلكين وتصنيفهم، إذ يصعب أحيانا التفريق بين الأنواع والتصنيف، إلا أن التصنيف يبرز بدرجة معتبرة طبيعية نشاط المستهلك حسب سلوك هذا الخير من جهته ومكانته من جهة أخرى وعليه يمكن تصنيف المستهلكين وفق هذا المفهوم إلى :
مستهلك اقتصادي:   ويتصور رجال الاقتصاد أنه شخص اقتصادي يسعى غالبا لسد حاجاته وتلبية رغباته معتمدا على عاملين اقتصاديين مهمين  - الدخل والأسعار – كما يفترضون أنه يتصف دائما بالعقلانية في تصرفاته وسلوكه عند الشراء.
مستهلك من خلال المنظمة:  إذ يعتبر الفرد أحد أفراد المنظمة ونقصد بها هنا المؤسسة أو العائلة، حيث يتعامل الفرد من خلالها فيؤثر فيها ويتأثر بها، لأن بعض السلع والخدمات ما تستهلك من قبل مجموعة بكاملها وليس من طرف وحده.
المستهلك البيئي:  ويعكس هذا التصور تعايش الفرد مع البيئة المحيطة به، والتي لها تأثير مباشر وغير مباشر في إقبال المستهلك أو سلوكه الشرائي من خلال العوامل البيئية كالمحفزات والمنبهات الإعلامية.
مستهلك من خلال عوامل نفسية: ونقصد به قيام الفرد بسلوكه الشرائي الذي يعكس عوامله النفسية وتأثيرها على رغباته وحاجاته، وهي عوامل داخلية محضة.
مستهلك اجتماعي: ويعكس المستهلك الموقف الاجتماعي الذي يعيشه كفرد، والذي يؤثر عليه من خلال علاقاته وطبقته الاجتماعيين التي يتعايش معهما.
ويرى الدكتور - حمد الغدير و الدكتوررشاد الساعد – أن تصنيف المستهلكين يتم حسب ثلاث مستويات .
التصنيف حسب الصفات :

ü الصفــات الشخصيــة :

        وهذه الصفات هي الجنس والعمر والدخل والوضع الاجتماعي لهذا المستهلك، في هذه الحالة يكمن دور رجال التسويق في تكييف استراتيجياتهم وضبط برامجهم التسويقية وفق هذه الصفات.

ü المنفعة المطلوبة:
        وهي المنفعة التي يحصل عليها المستهلك جرّاء استعماله أو استهلاكه لمنتج معين، وهذا مرتبط بصفاته الشخصية التي تختلف من شخص لأخر، وهنا على رجال التسويق التأثير على المستهلك بواسطة إبراز المنفعة والفائدة من استعمال منتجاتهم ومميزاتها عن غيرها، مع المحافظة على التكيف مع الصفات الشخصية المؤثرة على المنفعة.

ü مقاييس السلوك:
وهذه المقاييس هي:
أ‌-     نسبة استعمال المستهلك للمنتجات.
ب‌-كمية أو مقدار الشراء للمنتجات من طرف المستهلك.
ت‌-ولاء لهذه المنتجات من قبل المستهلك.
وفي هذا المستوى يكون لرجال التسويق دور تأثيري، إذ يعملون على زيادة استهلاك المنتجات، ورفع كميات الطلب وخلق الولاء لدى هؤلاء المستهلكين بالنسبة لمنتجاتهم .

Bمفهوم سلوك المستهلك:

        من الصعب أن نضع قانونا أو مقياسا ثابتا وموحدا لسلوك ورغبات المستهلك المتغيرة، خاصة ونحن على عتبة القرن 21 الذي يعرف باسم عصر العولمة وثورة الاتصالات والابتكارات المتلاحقة، حيث يجد المستهلك نفسه عرضة لمختلف المتغيرات البيئية التي تتجاذبه وتؤثر فيه ويؤثر فيها، إذ تتعدد السلع والخدمات وتختلف الرغبات ويتم تتداول القرارات وتصبح مهمة رجال التسويق من أصعب المهام وأصعبها على الإطلاق حيث يسعون جاهدين لمعرفة سلوكات وتصرفات العملاء. ماذا؟ وكيف؟ ولماذا يشترون؟ وهذا قصد بناء استراتيجية تسويقية ذات مدى بعيد ترتكز على ما يتوفر من معلومات حول هذا السلوك.
        حيث يثبت الطابع العلمي لهذه المعلومات في إطار تسويقي يجب إبراز مفهوم سلوك المستهلك وفق مختلف الوجهات التسويقية، مع الأخذ بعين الاعتبار كون رجال التسويق هم مستهلكون بالدرجة الأولى. فكيف يمكننا تعريف سلوك المستهلك؟ وما هي المفاتيح الرئيسة لفهم هذا الأخير؟ وإلى أي مدى نحن بحاجة لدراسة هذا السلوك وتطور حقله؟
        جل هذه التساؤلات والاستفسارات هي ما يتضمنه هذا المبحث في مطالبه.وهذا لكون معرفة حاجات ورغبات المستهلك تعتبر المدخل الحقيقي للنجاح التسويقي.

B تعريف سلوك المستهلك :

        حتى نكون على دراية جيدة بسلوك المستهلك لابد من الاطلاع على مختلف المعلومات المرتبطة بالسلوك البشري والتي تشكل في مجملها هيكلا متكاملا من معلومات مصادرها مرتبطة بجمع من المعلومات(اقتصادية،وجتماعية،وسياسية ، وإيديولوجية ،وأخلاقية ) وأهمها ميدان علوم التسويق التي تهتم بدراسة تغير سلوكات المستهلك بغرض بناء استراتيجيات تظهر في شكل مزيج تسويقي يتماشى وحاجات المستهلكين .
ومن هذا المنطق يمكن تعريف سلوك المستهلك على انه عبارة عن:" نشاطات الأفراد أثناء الاختيار والشراء للسلع والخدمات من أجل إشباع رغبات المستهلك" .
        أو على انه" النمط الذي يستهلكه المستهلك في سلوكه في البحث أو الشراء أو الميل نحو خدمة أو سلعة أو فكرة يتوقع منها إشباع رغباته".
ويعرف د.محمد سعيد عبد الفتاح سلوك المستهلك أنه:" الأفعال والتصرفات المباشرة للأفراد للحصول على سلعة أو خدمة والتي تتضمن اتخاذ قرارات الشراء".
        وفق الدكتور محمد عبيدات سلوك المستهلك هو:" ذلك السلوك الذي يبرزه المستهلك في البحث عن وشراء أو استخدام السلع أو الخدمات أو الأفكار أو الخبرات التي يتوقع أنها ستشبع رغباته وحسب الإمكانيات الشرائية المتاحة".
وهو أيضا " مجموعة الأنشطة الذهنية والعضلية المرتبطة بعملية تقييم والمفاضلة والحصول على سلع أو الخدمات واستخدامها".
ومن جهة نظر أخرى:" سلوك المستهلك هو عبارة عن تلك التصرفات التي تنتج عن شخص ما نتيجة تعرضه إلى منبه داخلي أو خارجي حيال ما هو معروض عليه، وذلك من أجل إشباع حاجاته".
من خلال هذه التعاريف يمكن القول أن سلوك المستهلك عبارة عن نشاط الأفراد أثناء الاختيار والشراء للسلع والخدمات من أجل إشباع حاجاته، وأيضا هو تلك التصرفات التي يقوم بها الفرد أو الشخص نتيجة تعرضه لمنبه معين بناء على ما تم عرضه من سلع وخدمات بهدف إرضاء حاجاته، وبهذا يكون السلوك هو الإطار التسويقي الإيجابي والفعال الذي يتخذه المستهلك للحصول على ماينتظر أن يحد مشكل الحاجة لديه من سلع أو خدمات.
        و بالنظرمن زاوية تسويقية، ولكون المستهلك يعتبر لب النشاط التسويقي فإن كل الجهود التسويقية تنصب لدراسة سلوكه، وكذا الاتجاهات والمؤثرات قصد تحديد ومعرفة المثيرات الأكيدة المؤثرة في عملية الشراء.
إذاً سلوك المستهلك هو:" تصرفات الأفراد التي تتضمن الشراء، واستخدام السلع والخدمات وتشمل أيضا القرارات التي تسبق وتحدد هذه التصرفات" .

تبين لنا من خلال هذه التعاريف الواردة حول سلوك المستهلك أن هذا الأخير نوعان:

ü السلوك الرشيد :
هو الذي يكون إيجابيا سواء كان قام المستهلك بعملية الشراء أم امتنع عنها، وهذا باقتناء وشراء منتجات تحقق رغباته وتتطابق منافعها مع خصائصه، وتجنبه منتجات أخرى غير ملائمة. ويتم هذا بناءا على معلومات صحيحة وتامة ينتقيها المستهلك بدقة من بين المثيرات الموجودة أمامه.
        ونجد هذا السلوك غالبا عند المستهلك الصناعي الذي يتخذ قرارات موضوعية حسب حاجاته الحقيقة وتوافر معلومات كافية حول منتجات مختلفة.

ü السلوك العشوائي(غير رشيد) :
ينجم عن شراء او اقتناء منتجات دون توافر معلومات كافية: فيخلف انعكاسات وانطباعات سلبية لدى المستهلك، نجد هذا النوع بكثرة لدى المستهلك الذي يندفع لتلبية حاجاته في أقرب وقت، أو نتيجة إغرائه أو تأثره بإعلان ما عن منتج معين أو قصد تجريب منتج محدد، وغالبا ما يكون سبب هذا السلوك هو عدم إعداد دراسة دقيقة و فحص تام  لموقف أو معلومات مطروحة.

ثانيا : الثقافة وأثرها على سلوك المستهلك :

        تعرف الثقافة على أنها ذلك " الكل المعقد الذي يتألف من المعرفة والعقيدة والفن والقانون والتقاليد والقدرات والعادات التي يحصل عليها الفرد كعضو في المجتمع "

        من هنا يتضح أن مفهوم الثقافة من الناحية السلوكية يختلف عن المفهوم العام لها والذي قد يعني المعرفة الواسعة، فالثقافة الوطنية لمجتمع لا يمكن حصرها في عدد خريجي الجامعات في المجتمع، لكن يمكن التعرف عليها من خلال العادات والتقاليد وأساليب حياة الأفراد وأنشطتهم اليومية.

وهناك عنصران أساسيان يمكن أن يشتركا في تكوين الثقافة هما:

ü العنصر المادي الخارجي: يتعلق الأشياء المحسوسة المحيطة بنا وهي تلك التي يمكن مشاهدتها واستخدامها في حياتنا، وتساعد الثقافة المادية الأفراد على:

1.    التعبير عن أنفسهم بشكل جمالي لطيف، كما هو عن طريق الفن والموسيقى.
2.    الاستمتاع بأوقات الفراغ عن طريق قراءة كتب أو مجلات تخص منتجات معينة.
3.    حماية راقية لأنفسهم بواسطة اللباس والبناء.
4.    ممارسة الوظائف الجسمية كالآكل، الشرب، ...الخ. بشكل آمن.
5.    استخدام المواد التجميلية والصيدلانية بطريقة عقلانية.
6.    فهم الرسالات الإعلانية.
        كما أن الثقافة المادية تزودنا بالوسائل لتقسيم العمل بحيث ينتج كل منا ما يحتاجه الآخرون ومن ثم المساهمة في تحسين المستوى المعيشي، ومن هنا يتضح أن معظم الاختلافات بين الأفراد ناجمة عن الاختلاف في الثقافة المادية الخارجية المستمدة من البيئة المحيطة التي يعيش فيها هؤلاء الأفراد.

ü العنصر الداخلي الذهني: ويتعلق بالفكر ووجهات النظر التي يشترك فيها أفراد المجتمع، من أهمها.
1.    نظام المعرفة الذي يشمل اللغة، العلوم والوصف الموضوعي للثقافة المادية.
2.    نظام القيم والعقيدة الذي يشمل الدين، السياسة، الفلسفة الاجتماعية.
3.    نظام القواعد الاجتماعية (العادات والتقاليد).
فالقواعد الاجتماعية هي دلائل  وقوانين السلوك للتكيف مع دور معين، يمكن تقسيمها إلى أربعة أقسام:
1.البدع والموضات: البدع هي التي تظهر وتختفي في وقت سريع نسبيا، والموضة فتدوم لفترة أطول قليلا من البدعة. وتتعلقان بالمظهر بشكل خاص، كما قد ترتبط بالمفاهيم السياسية، الترويجية، الأدبية وحتى الإدارية.    
2. نمط التفكير:  ويشير إلى مختلف الأنشطة الروتينية في حياتنا اليومية والتي تعتبر منطقية لدى ثقافة الكثير، ويشمل نمط تفكير مختلف المستهلكين.
3. الأعراف: ترتبط بالنواحي الدينية والأخلاقية وتأخذ طابع شبه قانوني في المجتمع.
4. القوانين: هي قواعد محددة تشرع وتطبق من قبل جهات محددة، لحماية حقوق الأفراد وتطبيق الأعراف السائدة في المجتمع، وينجر عن مخالفتها عقوبات رسمية.
إن العوامل الثقافية تنمو مع تطور حياة المستهلك وتؤثر على مقدار معرفته وتساهم في تشكيل معتقداته وآرائه، كما تساعد عل تفسير الظواهر والمؤثرات الخارجية.

ü أما من خصائص الثقافة فنذكر:

1.    الثقافة غير الملموسة: تأثير الثقافة في حياتنا يأتي بشكل طبيعي وأوتوماتيكي على السلوك من خلال إقناع المستهلك بصحة ما يفعله. ولا يظهر أثرها إلا عند التعرض لثقافات مجتمعات أخرى.
2.    إرضاء الحاجات: تساهم الثقافة في إشباع حاجات أفراد المجتمع وتوفر النظام من خلال اتخاذ القرار قصد تلبية الحاجات النفسية والشخصية والاجتماعية والتزود بمعايير ضبطية.
ومن الناحية التسويقية يمكن أن تلقى منتجات المنشأة من سلع أو خدمات قبولا لدى المستهلكين وتشبع حاجاتهم المنسجمة مع المفاهيم الثقافية، وهكذا يتوجب على المؤسسات التماشي مع التغيرات الثقافية المستجدة.
3.    الثقافة يمكن تعلمها او اكتسابها: يمكن للفرد تعلم الثقافة أو اكتسابها من خلال اكتساب القيم، العادات، التقاليد، والعقيدة في المرحلة الأولى من حياته، وهناك ثلاثة أنواع من تعلم الثقافة:

ü التعلم الرسمي (المباشر) : يتلقاه الفرد ممن يكبرونه سنا أو يفوقونه معرفة كالأباء، الاخوة،...الخ وغيرهم من الذين يتولون بيان كيفية السلوك المقبول من الفرد.
ü التعلم غير الرسمي (التقليد): يتمثل في تقليد سلوك الآخرين واكتساب التعلم عنهم من خلال الملاحظة.
ü التعلم الفني: يتعلق بتعليمات المعلمين للمتعلمين حول ما يجب عمله وكيف يتم ذلك ولماذا؟
وتستغل الأنشطة التسويقية هذه الأنواع الثلاثة من التعلم الثقافي عن طريق حث المستهلكين بصورة عامة على تقليد مستخدمي منتجات معينة بواسطة التركيز على استخدام بعض الرموز في الإعلانات، حيث قد تؤدي هذه الأخيرة إلى تعزيز بعض القيم والمعتقدات السائدة.
كما أن هناك عوامل قد تؤدي إلى التغيرات لدى مجتمع ما منها:
·        التغير التكنولوجي.
·        التغير في التركيبة السكانية.
·        النقص في المصادر الطبيعية.
·        الحروب.
·        التغير في القيم.
·        التداخل مع ثقافات أخرى أو التأثر بها.
        إن الاختلافات الثقافية بين المجتمعات أو في المجتمع الواحد، لها تأثير على الاستراتيجيات التسويقية للمؤسسات، ويتجلى هذا التأثير بصورة واضحة فيما يلي:
1. تحليل وتجزئة السوق: يختلف التوجه الثقافي للمستهلكين الذي يؤثر على سلوكهم، حسب عدة متغيرات كالجغرافيا، القومية، السن،...الخ، ما يستلزم تطوير البرامج التسويقية وفق ما يتفق مع هذه الخصائص.
2. تخطيط المنتج: إن التقييم الجيد للتوجهات الثقافية من شأنه المساهمة في تحديد فرص تقديم المنتجات الجديدة عن طريق تصميمها بشكل يلائم المستهلك وتوجهاته الثقافية.
3. الاستراتيجية الترويجية: نظرا للعلاقة بين الاستهلاك وأهمية خصائص السلعة، فإن استخدام الاستراتيجية التسويقية المتوافقة مع القيم السائدة يصبح مهما، لذا يجيب أن ترتبط الرسالة الإعلامية بين المنافع الاستهلاكية وخصائص المنتج وكذا مراعاة القيم الثقافية.
4. السياسة العامة: إن معرفة النواحي الثقافية العامة وارتباطها بالمنافع الاستهلاكية مهم لمنشآت العمال لما لها من تأثير على الخطط السياسية للمؤسسة وسمعتها.
1. الجماعات المرجعية:
        يطلق مفهوم الجماعة على: " تجمع لشخصين أو أكثر ممن يشتركون بقيم أو أعراف أو سلوك معين وتجمعهم علاقة معينة بحيث تتداخل سلوكاتهم، أما الجماعات المرجعية فهي تلك المجموعات التي يمكن أن تستخدم كإطار مرجعي للأفراد في قراراتهم الشرائية وتشكل مواقفهم وتجمعهم وسلوكهم "
يمكن تصنيف الجماعات المرجعية كما يلي:
ü الجماعات الأساسية والجماعات الثانوية: إذا كان الاتصال بين الفرد وبقية أفراد نفس المجموعة يتم بفترات متكررة، وكان رأي المجموعة مهما كالاتصال مع أفراد الأسرة والجيران وزملاء العمل، فإن أفراد هذه المجموعة يشكلون جماعة أساسية لهذا الفرد، أما إذا كان الاتصال بالمجموعة متقطعا ورأيها غير مهم فإنها تصبح جماعة ثانوية، وعليه فإن معيار التفريق هو استمرارية الاتصال وأهمية رأي الجماعة بالنسبة للفرد.
ü الجماعات الرسمية وغير الرسمية:  تشير كلمة الرسمية إلى درجة التنظيم وتحديد أدوار الأعضاء، فإذا كان للجماعة قائمة عضوية محددة ورئيس أمين عام ونظام معين وأهداف محددة، عندئذ تكون جماعة رسمية وإذا خرجت عن هذا النطاق فإنها تصبح جماعة غير رسمية، والتي من شأنها التأثير على السلوك الاستهلاكي.      
ü الجماعات الكبيرة والصغيرة:
        يتجلى الفرق بين الجماعات الكبيرة والصغيرة في عدد الأعضاء في المجموعة ويستخدم معيار مدى قدرة الفرد على معرفة بقية أعضاء المجموعة للتمييز بين الجماعتين مثل الفرق بين المؤسسات الكبيرة كالمؤسسة العسكرية أو الشركات الصناعية الكبرى وبين نادي الأعمال الإدارية والمحاسبة في الجامعة مثلا.
ü الجماعات العضوية والجماعات الرمزية:
        الجماعات العضوية فهي التي تتطلب شروطا معينة في الأفراد الراغبين في الانضمام إليها كما أنها تتطلب سلوكا معينا ملزما لأعضائها، أم الرمزية فيحتاج الفرد فيها إلى عضوية رسمية رغم انه قد يسلك سلوك الجماعات العضوية (كالجمعيات).
        إن الفهم الكامل لتأثير الجماعات على سلوك المستهلك يستدعي تحديدا دقيقا لها وتحديد أثرها على الأفراد المنتمين إليها، وهنا نجد أن هناك ستة جماعات أساسية:

B الأسرة: للفرد دور في أسرته فيتأثر ويؤثر بقراراتها، وتأتي أهمية التأثيرات الأسرية كنتيجة للاتصالات المستمرة بين أفراد الأسرة ونتيجة القيم والاتجاهات والسلوك المشترك لأعضاء الأسرة.
Bجماعات الأصدقاء: تصنف ضمن الجماعات غير الرسمية، وتؤثر على القرارات الشرائية للفرد وهذا لكون الصداقة تلبي العديد من الحاجات، ومن هنا فإن لوجهات نظر الأصدقاء تأثيرها على قرارات وسلوك المستهلك في اختيار المنتجات.
1-  الجماعات الاجتماعية الرسمية: كالاتحادات والفرق الرياضية، النوادي الثقافية، ...الخ، والتي تؤثر هذه الجماعات على سلوك المستهلك من خلال مناقشة مزايا وعيوب بعض السلع والخدمات من قبل الأعضاء بصفة غير رسمية ممـا يزيـد فـي معلوماتهم عـن مختلف السلع والخدمات،و المحلات التجارية من قبل الأعضاء بصفة غير رسمية مما يؤدي إلى زيادة معلومات أعضاء الجماعة الاجتماعية الرسمية عن مختلف المنتجات نتيجة تعدد الآراء و الخبرات ، كما قد يكتفي بعض أعضاء الجماعة بتقليد السلوك الاستهلاكي للأعضاء الآخرين الذين يتميزون غالبا بمستوى تعليمي عالي و دخول مرتفعة ، يشغلون مناصب وظيفية هامة .
2-   جماعات التسويق: غالبا ما يتسوق المستهلك رفقة فرد أو أكثر، بغرض شراء سلعة أو قضاء بعض الوقت وكسب معلومات جديدة حول بعض المنتجات، ويؤدي إلى تقليل المخاطرة الاجتماعية للسلع و الخدمات المراد اقتناؤها خشية عدم القبول الاجتماعي الذي يسعى إليه المستهلك حيث أن المشاورة و القرار الجماعي يمكن أن يعطي للإفراد ثقة أكبر بصحة القرار .
كما أن التسوق الجماعي تكون مدته أطول ويغطي مساحة أكبر من السوق، مما يخلق فرص الاطلاع على منتجات أكثر قد تؤدي إلى شراء مواد لم يكن مخططا لشرائها من قبل.
5. جماعات النشاط الاستهلاكي: وظهرت استجابة للحركات الاستهلاكية التي ظهرت بشكل واضح منذ بداية الستينات حيث أخذت تؤثر على تصميم المنتجات وعلـى الممارسـات التسويقيـة للمنتجيـن و المستهلكيـن.
ويمكن تقسيم جماعات النشاط الاستهلاكي  إلى فئتين رئيسيتين هما :
ü جماعات للدفاع عن المستهلك: عبارة عن مجموعة من الأفراد المنظمين، هدفهم الدفاع عن قضايا محددة تتعلق باستغلال أو المستهلك أي حماية المستهلك، إلا أن هذه الجماعات يتزامن وجودها مع ظهور مشكلة معينة .
ü جماعات الضغط:و تهتم بمواضيع عامة ذات طابع  اجتماعي و اقتصادي و سياسي ، وتم تأسيسها للدفاع عن قضايا المستهلكين بشكل دائم في مجالات متعددة ، وتمارس هذه الجماعات ضغطا ملموسا على المنتجين و الموزعين و صنّاع القرارات ، ومن بين هذه الجماعات جمعيات حماية المستهلك .
6-جماعات العمل: إن تواجد الأفراد في أماكن العمل أو الدراسة لفترة طويلة يؤدي إلى التأثير المتبادل للأفراد على سلوكهم الاستهلاكي.
إضافة إلى ماسبق فإن الجماعات المرجعية يمكن أن تأخذ أحد الشكلين:
    Bجماعات مرجعية معيارية: هي التي تؤثر في القيم أو السلوك، كالأسرة بالنسبة للطفل.حيث تمثل دورا هاما في تشكيل السلوك العام لأطفالها .
   Bجماعات مرجعية مقارنة: وتستعمل كعلامة، رمز، أو مؤشر لاتجاهات محددة أو معرفة أو سلوك معين.
إن الجماعات المعيارية مهمة لتطوير أساسيات السلوك، أما الجماعات المقارنة فتؤثر في السلوك والاتجاه المحدد نحو منتج معين، وإلى حد كبير تؤثر في القيم الأساسية والأنماط السلوكية.
واتسع مفهوم الجماعات المرجعية بعدما كان مقتصرا على ذات الاتصال المباشر التي لا صلة للفرد بها كتأثير نجوم السينما والأبطال الرياضيين.
يهتم المسوقون بشكل خاص بمدى قدرة الجماعات المرجعية على تغيير اتجاهات وسلوك المستهلك، أي تشجيع تكييف المستهلك، ويكمن تأثير هذه الجماعات في :
1.    إعلام المستهلك وجعله أكثر وعيا بالمنتجات والعلامات.
2.    إعطاء المستهلك فرصة المقارنة بما يفكر به شخصيا مع اتجاهات وسلوك الجماعة.
3.    التأثير على المستهلك لجعل اتجاهاته وسلوكه مطابق لاتجاهات وسلوك الجماعة.
4.    اعتبار قرارات المستهلك في استخدام نفس المنتجات التي تستخدمها الجماعة قرارات فاعلة.


أولا : التأثيرات الأسرية:

        الأسرة مجموعة من الأفراد تجمعهم رابطة الدم أو الزواج أو التبني أو الدين أحيانا، كما تضم الذين يسكنون مع بعضهم البعض، ويستخدم رجال التسويق مصطلح " أهل المنزل " للدلالة على الأسرة، بمفهومها الواسع بما في ذلك كل الأشخاص المقيمين معا كمجموعة من الطلبة يسكنون شقة سكنية.
ومن أبرز الوحدات الأسرية:

1. الأسرة النووية:
        تشمل الأسرة النووية الأب والأم والأطفال الذين يعيشون مع بعضهم البعض، والفرد في حياته يمر بأسرتين نوويتين، أسرة ولد فيها وأسرة يكونها عندما يتزوج ويستقل عن أسرته الأصلية وتطلعه إلى مفاهيم جديدة.
2. الأسرة الممتدة:
        هي الأسرة النووية مضافة إلى مجموعة من الأقارب الجدين، الأعمام...الخ ونجد هذا النوع أكثر شيوعا في المجتمعات العربية.
3. الأسرة الزوجية:
        هي الأسرة المؤلفة من الزوجين فقط التي توجد عندما يتزوج الزوجان وقبل إنجاب الأطفال، كما تعني الأسر التي كبر واستقل عنها كل أطفالها.
تكمن وظائف الأسرة فيما يلي:
Bالدعم الاقتصادي:
        يساهم مختلف أفراد الأسرة في توفير حاجات الأسرة المالية بعدما كان المر من واجب الأب ، حيث نجد حاليا أن نسبة كبيرة من الزوجات يعملن خارج البيوت، وكذلك الأطفال يسعون للعمل وهم في سن المراهقة.

Bالاستقرار العاطفي:
        تتساند أعضاء الأسر على مواجهة المصاعب الشخصية والاجتماعية وقد تلجأ إلى استشارة الاختصاصيين عند العجز.

Bتامين نمط الحياة الملائم: 
        إن تربية الأطفال،والأهداف الفردية والجماعية تتأثر بشكل مباشر بما يؤمن به الزوجين حيث تؤثر المفاهيم الأسرية على مجالات كثيرة  لدى الأطفال، كما تؤثر على الأنماط والعادات الاستهلاكية لأفراد الأسرة.و كذا التوجيه المعرفي و المهني و الحرفي .

Bالتطبيع الاستهلاكي: من مهمة الأسرة تعويد الأطفال على القيم الأساسية والسلوكية والثقافية للمجتمع، ويرتبط هذا بالتطبيع الاستهلاكي وهو " الإجراءات التي يكتسب من خلالها الأطفال المهارات والمعرفة والاتجاهات التي تساعدهم للتصرف كمستهلكين ".

         ويتكون التطبيع الاستهلاكي من مكونين: الأول يتعلق بصلة مباشرة بالاستهلاك مثل امتلاك المهارة والمعرفة والاتجاهات المرتبطة بالموازنة والسعر والعلامات و الثاني له صلة غير مباشرة بالاستهلاك مثل الدوافع الداخلية التي ترافق شراء بعض المنتجات المرتبطة بمرحلة عمرية معينة.


        بهذا يمكن أن تؤثر الأسرة على سلوك المستهلك باعتبار الأفراد المكونين لها مستهلكين يمكن التأثير على سلوكهم الاستهلاكي، دون أن ننسى باقي المدخلات كتأثير الإعلان ورجال البيع.

ثانيا : تأثير الإعلان ورجال البيع :


ü تأثير الإعلان :
        يعتبر الإعلان من أهم المؤسسات الصناعية في الوقت الحاضر، إذ يمثل 03% من الناتج القومي في الدول الصناعية، ويعتبر رجال التسويق - المرسلين – أهم العاملين والمتحكمين في مجال الإعلان، بينما يمثل المستهلكون المستقبلين للرسالة الإعلامية.

ويعتمد المختصون في الإعلان على عوامل ذات تأثير مباشر على سلوك المستهلك والتي تعتبر الإطار الأساسي لقرارات الإعلان، ومن هذه القرارات الأساسية نذكر:

·        المنتج: ويتمثل في تحديد نوع وأصناف منتج المواد الترويجية.
·        الأسواق: وهنا أيضا يجب معرفة نوع الأسواق واحتياجاتهم مع تحديد مجموعة الأفراد الذين يشكلون هذه الأسواق.
·        الدوافع: تختلف الدوافع الحقيقة المؤثرة على سلوك المستهلك مع اختلاف المستهلكين ودرجة الحاجة إلى منتجات المستهلك، لذا يجب تحديد الإغراءات والطرق المثلى لبلوغ الهدف.
·        الرسالة الإعلامية: تختلف من حيث جودتها وقوة الإغراءات المستخدمة في التأثير على سلوك المستهلك ، لذا يتعين تحديد الإغراءات و الطرق المثلى لبلوغ الهدف .
·        الأموال: وهي الميزانية المخصصة لكل حملة إعلامية حيث كلما كانت الميزانية أكبر كلما كانت الحملة أفضل، وبالتالي يكون تأثيرها أقوى وأعمق.
·        المادة الإعلانية: و تتكون المادة الإعلانية لكل حملة إعلامية من جمل وعبارات وكلمات يجب اختيار أفضلها حتى تكون مفهومة وواضحة و بسيطة قدر الإمكان وهذا ما يستلزم تحديد زمن ومكان الإتصال بالمستهلك.
·        المقاييس أو المعايير: إن لكل حملة إعلامية معايير ومقاييس محددة سابقا، على رجال الإعلان اتباعها من أجل تحقيق نتائج إيجابية.





ü تأثير رجال البيع :
        يمكن لرجل البيع التأثير في جميع سلوكات المستهلك من خلال البيع، ويعتبر رجل البيع من عناصر الحلقة التسويقية.

طبيعة العملية البيعية:
        يعتر رجال البيع أقرب مندوبي التسويق للمستهلك، ويقومون بعملية المبادلة الثنائية (العملية التجارية) ما بين المستهلكين ورجال التسويق، ويقومون بتزويد المستهلك بفوائد ومزايا المنتجات، وعادة مايشمل البيع الشخصي التأثير والإقناع معا، مما يساعد المستهلك في قرار الشراء الصحيح .

تحليل التفاعل بين المستهلك ورجل البيع:
         يكون هذا التفاعل إيجابيا وأكثر حيوية نتيجة التفاهم وتقبل كل طرف للآخر.

قوة رجال البيع في العملية البيعية:
        وتكمن في ثلاث مراحل حسب بحث العالم " ريجرد الوشقاسي ": 
·        مرحلة التوجه:  وفيها لابد على رجال البيع التعرف على اهتمامات المستهلكين وإعلامهم بمكان عرض المنتج.
·        مرحلة التقييم: يتم فيها تقييم المنتجات وبدائلها من قبل المستهلكين.
·        مرحلة الاستهلاك (السلوك): في هذه المرحلة يقوم المستهلك بشراء المنتج او الامتناع عنه.

ويقوم رجال التسويق بمراقبة رجال البيع، حيث تعتمد أي شركة صناعية او تجارية على موزعين او تجار الجملة والتجزئة في إيصال المنتجات إلى المستهلكين، ويتم مراقبة رجال البيع للشركة مباشرة، في حين ان رجال البيع أو تجار الجملة والتجزئة الذين ليس لهم ارتباط مباشر مع رجال التسويق تتم مراقبتهم بالسعي إلى إتمام صفقات البيع والحرص على تطبيق وحفظ صورة المؤسسة، إلا انه في هذه الحالة لايكون رجال البيع في متاجر التجزئة أو الجملة تحت السيطرة الكاملة لرجال التسويق.

وفي الحقيقة فإن رجل المبيعات يكون مستعدا لإتمام العملية البيعية التي يمثل طرفا فيها إلى جانب المستهلك، لأنه أكثر إلماما بالمنتج بخلاف المستهلك.
وعموما يوضح النموذج ، الذي صممه العالم " بارتون ويستز " خطوات البيع وتتمثل في:

مرحلة تكوين الانطباع:
        يتم فيها جمع المعلومات عن المستهلك ورغباته من قبل رجال البيع.

مرحلة بناء الإستراتيجات: وتتكون من:
·        مرحلة إيصال الرسالة الإعلانية: تتم عن طريق الحملات افعلانية، وتشكل العروض في المحلات جزءا منها.
·        مرحلة التقييم: وتخص تقييم استجابة المستهلك للرسالة الإعلانية، وانطباع رجال البيع.
·        مرحلة الضبط: وتشمل حالتين:

الأولى اقتناع المستهلك بالمنتج وبالتالي نجاح العملية البيعية، الثانية تتمثل في ضبط الخطوات السابقة لاتمام عملية البيع، بواسطة المعلومات المحجموعة عن المستهلك ومن ثم تطوير استراتيجية أفضل في عملية الاتصال والعرض على المستهلك.


إن وظيفة رجال البيع تكمن في إيصال المنتج  للمستهلك وإقناعه بها وغالبا ما يحدث تصادم بينهما إذ يعتمد رجال البيع على درجة الخبرة في مجال البيع ويعمد المستهلك إلى جمع مختلف المعلومات المتعلقة بالمنتج كالسعر، السوق...الخ فيظهر لهم الفروقات لتجنب الابتزاز.


ثالثا : سلوك المستهلك في الاقتصاد الإسلامي:
B القواعد الحاكمة لسلوك المستهلك:
تخضع فكرة المسْلِم عن الاستهلاك لمبادئَ وقواعد، منها: قاعدة "الأصل في الأشياء الإباحة"، وقاعدة المشروعية (الحلال والحرام)، وقاعدة القِيَم الخلُقية، وقاعدة الاعتدال.
ولذلك يمكن أن نَذكر المبادئ التي تحكم سلوك المستهلك في الاقتصاد الإسلامي على النحو التالي:
1 - أن آفاق المستهلك المسْلِم تتَّسع لتشمل جميع الطيِّبات، ولا يُستثنى إلا الخبائث المذكورة في القرآن الكريم، وما يقاس عليها، مع ملاحظة أن عدد السلع الاستهلاكية المحرَّمة قليل جدًّا.
2 - وجود حد أقصى للكمية التي يطلبها المستهلك المسْلم من أية سلعة.
3 - تعتمد منفعة المستهلك المسلم على تحقيق منافع الآخرين، فلا يَنطوي سلوكه الاستهلاكي على الأنانية.
ومعنى ذلك أن المستهلك المسلم إلى جانب قيْد الدخْل الذي يواجه المستهلك غير المسْلم، يواجه القيد الدِّيني الذي يحرم الخبائث والإسراف.
كذلك يَدخل عامل مؤثِّر في خط الإنفاق في الإسلام، هو الإنفاق في سبيل الله - تعالى - أي: الإنفاق من المال الخاص على الغير، لوجه الله - تعالى.
العوامل المؤثرة على سلوك المستهلك:
أوضحنا فيما سبق، أنَّ من محدِّدات سلوك المستهلك في الاقتصاد الوضعي إمكاناته الماديةَ وتوقُّعاته المالية، وميولَه واتجاهاته واهتماماته، وبعضَ سِمَات شخصيته.
إن تحديد نمط الاستهلاك يعد أمرًا ضروريًّا في وضع الأساس الاقتصادي لأي مجتمع؛ ذلك لأن كفاية النظام الاقتصادي في أي مجتمع إنما تقاس بمدى قدرته على الوفاء باحتياجات أفراده، حيث تدخل في مؤثِّرات الاستهلاك لدى المسلم اختياره بين الاستهلاك الدنيوي وثواب الآخرة.
فالحياة في نظر المسلم ليست غاية في حدِّ ذاتها، وإنما هي وسيلة لغاية أسمى، هي التَّمتُّع بالآخرة؛ ولذلك يحرص المستهلك المسلم على الحصول على رضا خالقه، بالتصدُّق من ماله على الفقراء والمحتاجين.
ومن العوامل المؤثِّرة في سلوك المستهلك في الاقتصاد الإسلامي، العقيدة، والأخلاق، إلى جانب العوامل الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، ومثال ذلك الدعوة إلى التوسُّط والاعتدال، فالتعاليم الإسلامية تحض المسلمَ على بلوغ حد الكفاية، وتحرِّم عليه الإسراف أو الإفراط أو التبذير في الإنفاق.
ومن بين العوامل المؤثرة في سلوك المستهلك المسلم الدعوةُ إلى الادِّخار  لوقت الشدَّة، وقد نتصور وجود علاقة ارتباطية بين درجة إيمان الفرد وبين إنفاقه في سبيل الله، وعلى ذلك يمكن تحديد أوجه الإنفاق للمستهلك المسلم على النحو التالي:
1 - الإنفاق الدنيوي: ويشمل الإنفاق الحالي، والادِّخار من أجل الإنفاق في المستقبل.
2 - الإنفاق على الغير؛ أيْ: في سبيل الله بهدف الآخرة.
3 - استثناء الخبائث فقط من المنتَجات والسِّلع المتاحة.
4 - تحدِّد التقوى سلوك المستهلك المسلم.
5 - هناك حدٌّ أدنى محدَّد للإنفاق على الغير، هو نصيب الزكاة.
6 - يشجع الإسلام على الادخار مع ضرورة الاستثمار؛ حتى لا يتآكل رأس المال بدفْع الزكاة منه.
ومن ثم يمكن تصوُّر الإطار العام لاستهلاك المسلم على النحو التالي:
1 - الإنفاق الدنيوي، ومجاله الطيبات دون الخبائث، دون إسراف أو إفراط أو تقتير.
2 - الإنفاق في سبيل الله: وحدُّه الأدنى الزكاة.
إذا كانت هذه الأطُر العامة التي تحكم سلوك المستهلك المسلم الملتزم بمبادئ دينه وتعاليمه السَّمْحة، فإننا نحتاج إلى إجراء الدراسات لمعرفة تفضيلات المسلم من السلع والخدمات في إطار كل جانب من جوانب استهلاكه، والأشياء التي يعزف عنها.
فهناك حاجة إلى معرفة خصائص السلوك الاستهلاكي للفرد المسلم الذي يتصرَّف بتوجيهٍ من القرآن الكريم والسنة النبوية، ومعروف أن الاستهلاك لا يمثِّل الغايةَ النهائية من حياة المسلم، إنما الغاية القصوى هي عبادة الله - سبحانه.
ولذلك فالمسلم الحق يقنع بالحد المعقول من الإشباع المادي لحاجاته من الطعام والشراب واللباس، وسائر الحاجات الأساسية؛ لأن له غاية أسمى من كل هذه الحياة ومباهجها.
وللعبادات معنى واسع في الإسلام، فلا تقتصر على أداء التكاليف؛ وإنما تتضمن العمل الصالح، والجِدَّ والاجتهاد، والجهاد والكفاح، وعمارة الكون، والإنتاج، ونفع الناس، وقد قال الله - تعالى -: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ  دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾ [إبراهيم: 32 - 33].
ولقد أحلَّ الله للمسلم الطيبات من الرزق، قال - سبحانه -: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾ [الأعراف: 32]، وفي الإسلام دعوة للتوازن والاعتدال والحرص على رضا الله ، والتمتع بالجنة وثواب الآخرة، وفي نفس الوقت التمتع بالحياة الطيِّبة، قال - تعالى -: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ [القصص: 77].
فالمسلم مطالَب بالابتعاد عن كل مظاهر الفساد والإفساد، ومدْعُوٌّ إلى الإيمان والتقوى، والورع والخشوع، والعمل الصالح والجهاد، والزُّهد والقناعة والرِّضا؛ لذا فموقف المسلم الاستهلاكي يتحدد بمتغيرات عدَّة، منها:
1 - الإسراف والإفراط.
2 - التقتير والحرمان؛ وذلك اهتداء بقوله - سبحانه -: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ [الأعراف: 31].
فاستهلاك المسلم يخضع لقيم تربوية وأخلاقية وصحية واجتماعية واقتصادية ، وهي مبادئ شاملة ولا تترك له الحرية في اختيار نمط سلوكه  الاستهلاكي، ويتضح ذلك من قوله - تعالى -: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾ [الفرقان: 67].
والإسلام يحض على عدم الشح أو البخل أو التقتير، يقول - سبحانه -: ﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا﴾ [الإسراء: 29]، وإذا أطاع المسلم ربَّه واتَّبع تعاليمه، فإنه يثاب على ذلك.
وإذا كان المستهلك في الاقتصاد الوضعي لا يَنظر إلا لمصلحته الذاتية، فإن المستهلك ينظر إلى منفعة غيره من خلال إنفاقه؛ ذلك أنَّ علاقة المسلم بأخيه المسلم إنما هي علاقة محَبَّة، يقول - عليه الصلاة والسلام -: ((لا يؤمن أحدُكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) .
ولذلك يحرص الإسلام على تحقيق التكافل والتضامن والتساند الاجتماعي بين أفراده عن طريق الزكاة وغيرها من أنماط التعاون، والأخْذ والعطاء، ومساعدة المحتاجين والمعْسِرين، قال - تعالى -: ﴿وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ [الذاريات: 19]، وقال - سبحانه -: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ﴾ [الإسراء: 26]، ويتصدق المستهلك المسلم ويساعد غيره ابتغاء مرضاة الله - تعالى - اهتداءً بقوله - سبحانه -: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا  وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا﴾ [الإنسان: 8 - 9].
وبعد هذا، نشير إلى أن الإسلام قد حدَّد درجات السُّلَّم الاستهلاكي والإنفاق الفردي للمستهلك المسلم على النحو التالي:
1 - استهلاك المسلم لنفْسه.
2 - استهلاك المسلم على أهله.
3 - استهلاك المسلم على خادمه.
4 - استهلاك المسلم على والدَيْه وأقاربه.
5 - استهلاك المسلم وإنفاقه في سبيل الله.
ويُستأنَس لدرجات السلَّم الاستهلاكي بما رُوي عند تفسير قوله: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ﴾ [البقرة: 219]، قال أبو هريرة - رضي الله عنه -: أمَر رسول الله بالصدقة يومًا، فقال رجل: يا رسول الله عندي دينار؟ فقال: ((تصدَّقْ به على نفسك))، قال: عندي آخر؟ قال: ((تصدق به على ولدك))، قال: عندي آخر؟ قال: ((تصدق به على خادمك))، قال: عندي آخر؟ قال: ((أنت أبْصَر)) .
ويعضد هذا الحديثَ حديثُ جابر بن عبدالله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله : ((خير الصَّدقة ما كان عن ظهْر غِنى، وابدأ بمن تَعُول)) .
ولقد حدَّد القرآن الكريم الاستهلاك  بما لا يُوصَف بالإسراف أو التبذير، وعليه فإنه من الممكن أن نرسم خريطة استهلاكية ، على مستوى الأفراد وَفْق المنهج الذي كان رسول الله فيه القدْوةَ الحسَنة، متناولين ما يلي: المأكل والمشرب، والملبس، والمسكن، والزينة والتجَمُّل، ووسائل التنقُّل (الدوابَّ سابقًا)، وتكاليف الزواج (المهْر ووليمة العرْس)، وأجور العمال والخدَم ونفقتهم، وذلك على أن يلتزم المستهلك المسلِم داخل هذه الخريطة الاستهلاكية بالحقائق التالية:
1 - الناحية الاقتصادية لا تَمْلك المؤمن وتحتويه وتؤثِّر فيه، بل يواجهها بعقيدته وبخلُقه.
2 - الاستهلاك في حدود الوسط والاعتدال.
3 - أن يتجنَّب الفخْر والخُيَلاء.
4 - أن يبتعد عن الحرام.
5 - الترشيد في الاستهلاك.
6 - الاكتفاء بالموارد المحلِّية كلما كان ذلك ممكنًا، والمحافظة عليها.
7 - أن يتناول الصنوف الاستهلاكية ويدَّخرها عند اليسر والرخاء.
وكما أن هناك سُلَّمًا استهلاكيًّا لدى المستهلك المسلم، فإنَّ هناك مناطق للاستهلاك يتحرَّك داخلها المستهلك المسلم، نشير إليها كما يلي:
1 - منطقة القَوَام (الوسطية والاعتدال) منطقة مباحة، وهي وسط بين الإسراف والتقتير، ووسط بين الزينة والورَع، وأكثر الناس لا يأخذ بها؛ إذْ هم يميلون غالبًا إلى الزينة، ويتجاوز بعضهم إلى التَّرف والسَّرَف والتبذير، والدليل على هذه المنطقة آيات كريمة عديدة، منها قوله - تعالى -: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾ [الفرقان: 67]، وقوله - عليه الصلاة والسلام -: ((كلوا واشربوا، وتصدَّقوا، والبسوا من غير إسْراف ولا مخيلة)) .
2 - منطقة الزِّينة (الطيبات وإظهار الغِنَى) منطقة مباحة، يقول - تعالى -: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [الضحى: 11]، ويقول - سبحانه -: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ [الأعراف: 31]، وفي الحديث الشريف: ((إن الله يحبُّ أن يَرى أثَرَ نعمته على عبده)) ، ومن هذه المنطقة التحدُّث بالنعم والرفاهة، على ألاَّ  يَخرج المستهلك المسلم إلى منطقة الترف المنهي عنه.
3 – منطقة الورع (التقشُّف والزهد) منطقة مباحة، وهي منطقة جيِّدة، إلاَّ أن الذين يستطيعون المكث فيها قلة من الناس، وعلى رأس هذه المنطقة الأنبياء - عليهم السلام - والزهَّاد الأوائل، وقليل من المتأخِّرين، وهذه المنطقة فيها كثير من التضحية بالدنيا ومباهجها، بل وفيها إيثار للآخرين على النفس، ولو تيسَّر هذا السلوك لأمكن حلُّ المشكلات الاقتصادية وغيرها، ومن أدلتها قوله - تعالى -: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ [الحشر: 9]، وحديث: ((حسب ابن آدم لُقَيمات يُقِمن صلبه)) ، ونصوص أخرى تشير إلى الزهد والورع والتقليل من السلع والخدمات، انتظارًا للثواب في الآخرة.
4 - منطقة الإسراف (التبذير والترف) منطقة محرَّمة، ومن أدلتها، قوله - تعالى -: ﴿وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ [الأنعام: 141]، وقوله - سبحانه -: ﴿وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا﴾ [الإسراء: 26 - 27]، وقوله - عليه الصلاة والسلام -: ((إن من شرار أمَّتي الذين غذوا بالنعيم، الذين يَطلبون ألوان الطعام وألوان الثياب، فيتشدَّقون بالكلام)).
ولقد دخل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على ابنه وعنده لحم، فقال عمر: ما هذا؟ قال: اشتَهَينا اللحم، فاشترينا منه بدرهم، قال عمر: وكلَّما اشتهيتَ اللَّحْم اشتريتَه؟ كفى بالمرء سرفًا أن يأكل كلما اشتهى.
فالتبذير أشد من الإسراف، فهو المغالاة في تجاوز الحدِّ، والتوسُّع في الإنفاق على المحرَّمات والمعاصي والشهوات، كما أن الترف أشد من التبذير، فيتوسع في ملاذِّ الدنيا وشهواتها، وإذا انتشر الترف في الأمَّة أودى بها إلى الفناء، ومن هذه المنطقة إضاعة المال، وقد جاء النهي من الرسول عن إضاعة المال.
5 - منطقة التقتير (البخل والشح) منطقة محرَّمة، فالبخيل عدوٌّ لله وعدو لنفسه وعدو لكلِّ ما ينفع الغير، وإذا أوصلت به الحال إلى الزهد الأعجمي، قتل نفسه شيئًا فشيئًا بحِرمانها من أبسط الضروريات، يقول - تعالى -: ﴿وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ﴾ [محمد: 38]، وفي حديث عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إياكم والشُّحَّ، فإنما هلك من كان قبلكم بالشح، أمرَهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالفجور ففجروا)) .
B العناصر المكوِّنة لسلوك المستهلك المسلم:
تتَّضح العناصر المكوِّنة لسلوك المستهلك المسلم من خلال مكونات أربعة، هي: الرشد الاقتصادي، والبعد الزمني، والحرية الموجهة، والمنفعة المادية والروحية، وفيما يلي تفصيل ذلك:
1 - الرشد الاقتصادي: وأهمية هذا الرشد أنه في الاقتصاد الإسلامي حقيقة واقعة؛ أيْ: إن المستهلك المسلم رشيد، يؤمن بالله ورسوله، ويعيش وَفْق تعليمات القرآن الكريم والسنة النبوية، فهو عقلاني يتدبَّر أموره، ويتصرف على نحْوٍ يُرضي الله، يقول - تعالى -: ﴿وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا﴾ [الجن: 14].
وحيث إنَّ المجتمع الإسلامي لا يخلو من القاصر ومن السَّفيه ، فإن الله - سبحانه وتعالى - قد نهى أن يديروا أموالهم طالما كانوا كذلك؛ إِذ القاصر لا يستطيع التصرف في أمواله التي ورثها؛ لعدم رشده، كما أن السفيه لا يستطيع أن يزاول نشاطًا اقتصاديًّا؛ لعدم رشده أيضًا، يقول - تعالى -: ﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا﴾ [النساء: 5]، كل ذلك ضمانًا لتحقيق الرشد الاقتصادي في المجتمع.
إن استهداف المستهلك المسلم للتوازن والاعتدال، هو من الرُّشد الاقتصادي، والتوازن ينفي الانطلاق نحو الحدِّ الأقصى للإشباع، كما ينفي  السقوط إلى الحد الأدنى، إن التوسُّط بين الشِّبَع والجوع هو الاعتدال الذي يحقق التوازن، والرشيد لا يأكل حتى يجوع، وإذا أكل لا يشبع .
ولذا كانت هناك درجات للرشد الاقتصادي، ونعرض فيما يلي نموذجًا قرآنيًّا لدرجة رفيعة من الرشد الاقتصادي، وذلك في قوله - تعالى -: ﴿فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا﴾ [الكهف: 77]، فالآية تحدِّثنا عن بناء الجدار دون أجْر، على الرغم من أن أهل القرية أبوا أن يضيِّفوا موسى والخضر - عليهما السلام - وفي هذا النموذج الرفيع تضحية بمصلحة ذاتية، وهي الحصول على الأجْر، مقابل رعاية مصلحة الآخرين (الغلامين اليتيمَيْن)، ونرى في ذلك أيضًا تطبيقًا لقاعدة "الضرر الأشد يُزَال بالضرر الأخفِّ" .
وعليه، فإنَّ الغني البخيل الذي لديه مال كثير، ولشدَّة بُخْله وحرصه على المال يمتنع عن الواجب بالشَّرع أو اللازم بالمرُوءة، أكثر ذمًّا من الفقير البخيل الذي لديه مال قليل، فيمسك عن الإنفاق حيث يكون الإنفاق ضرورة، مع أنَّ كِلاَ السلوكين مذموم غير رشيد، إلاَّ أنَّ الفقير البخيل أقلُّ درجة من الغني البخيل، وفي ذلك يقول ابن قدامة - رحمه الله -: "إن البراءة  من البخل تكون بفعل الواجب بالشَّرع، واللازم بطريقة المروءة، مع طيب النفس بالبذْل، أما الواجب بالشرع فهو الزكاة، ونفقة العيال، وأما اللازم بطريق المروءة فهو ترك المضايفة، والاستقصاء عن المستحقرات، وقد يستقبح من الغني ما لا يستقبح من الفقير" .
وهناك شاهد ثانٍ على درجات الرشد الاقتصادي، أورده العِزُّ بن عبدالسلام - رحمه الله - حيث يقول: "الإطعام في المجاعة أتمُّ إحسانًا من الإطعام في الرَّخاء؛ لأنَّ فضْل الإطعام بقدر الاحتياج، فإطعام المضْطر أفضل من إطعامِ مَن مَسَّه الجوع، وإطعام من مسَّه الجوع أفضل ممن ليس كذلك، ولذلك غفر الله لمن سقى كلبًا يلهث ويأكل الثرى من العطش" .
أما حقيقة الرشد عند العلماء المسْلمين، فتنحصر في ثلاثة آراء:
الأول: يرى أن الرشد هو الصلاح في المال، والحفْظ له عن التبذير، وبه قال جمهور الفقهاء .
الثاني: يَرى أن الرشد هو الصلاح في المال والدِّين، وبه قال الشافعية .
الثالث: يرى أن الرُّشد هو الصلاح في الدِّين فقط، وبه قال الشافعية .
ولعل الرَّاجح - والله أعلم - من أقوال الفقهاء، أن الرشد على صلاح الدِّين والمال؛ وذلك لأمور، منها:
1 - أن هذا القول يجمع بين أقوال الفقهاء جميعًا؛ مَنْ قصَر الرشد على صلاح المال فقط، ومَنْ قصره على صلاح الدِّين فقط، ومَنْ جمع بين صلاح الدِّين والمال؛ إذْ هو قول جامع.
2 - أن الرشد في المال دون دِين لا يحقِّق تمام الرشد، فلو كان الفرد رشيدًا في ماله، فاسقًا في دينه، فإنه لا يُوثَق في حمايته لماله وقيامه بتثميره وتنميته، بخلاف ما إذا كان ذا دِين.
3 - أن في القرآن الكريم إشاراتٍ واضحةً للرشد الإيماني، من مثل قوله - تعالى -: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ﴾ [الأنبياء: 51]، وقوله - سبحانه -: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾ [البقرة: 256]، وكذلك فيه إشارات واضحة للرشد الاقتصادي، من مثل قوله - تعالى -: ﴿قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ﴾ [هود: 87]، وهذه الإشارات في مجموعها تعطي دلالة على أهمية أن يكون الفرد رشيدًا في دينه وماله؛ أيْ: يجمع بين  صلاح الدين وصلاح المال؛ ليكون رشيدًا.
4 - وبعد هذا كلِّه نستطيع القول: إنَّ الاقتصاد الإسلامي يتَّفق مع الاقتصاد الوضعي في إقرار المبدأ الاقتصادي، أو أسلوب وطريقة السلوك؛ أيْ: يوصي المستهلك المسلم بسلوك طريق المفاضلة والموازنة الدقيقة؛ للوصول إلى أقصى منفعة؛ إذْ "إنَّ المنافع مقصودة عادة وعرفًا للعقلاء" .
إلا أنه لا يقصر رشد السلوك على الطبيعة المادِّية للسِّلع ودرجة إشباعها، بل يمتدُّ بها إلى كلٍّ من طبيعة الوسيلة المنفعة التي يسعى المستهلك لتحقيقها، والهدف المتوخَّى من استهلاك تلك المنافع، فيدخلها في مقوِّمات الرشد.
ولذلك يَشترط الاقتصاد الإسلامي لتحقيق الرشد، أن يكون كلٌّ من الوسيلة والهدف لا يؤدِّيان إلى ضرر فردي أو جماعي، وذلك بانتفاء الناحية السَّلبية للسلوك، وتحقيق المشروعية فيه.
ولقد قدَّم الاقتصاد الإسلامي لكلٍّ من البعد الزمني لسلوك المستهلك، والحرية، والمنفعة - مفهومًا يجعل المستهلك ليس فقط يتجاوز بسلوكه منطقة الضرر، بل جعله يرتفع بسلوكه إلى مستويات من الرشد التطوعي ، الذي لا يقتصر فيه بإنفاق دخله على منفعته المشروعة، بل على مصالح الجماعة وحاجاتها؛ حيث إنَّ هذه المفاهيم تُدخِل متغيِّرات إيجابية على دالَّة المنفعة للمستهلك المسلم، مما يجعلها تتَّسع فلا تقتصر على منفعة الفرد، بل  تضم إلى جانب ذلك منافع الجماعة.
وخلاصة القول: إنَّ هناك ضوابطَ وتوجيهات وضَعَها الإسلام، لتحدِّد المسار الرشيد بالنسبة للاستهلاك، متى ما الْتزم بهذه التعليمات والتوجيهات المستهلكُ اعتُبِر رشيدًا، ومنها: تحريم حياة التَّرَف، وتحريم الإسراف والتبذير، والدعوة إلى الاعتدال في الإنفاق، وتحريم استهلاك السِّلع والخدمات الضارة.
2 - البعد الزمني لسلوك المستهلك:
إن الاقتصاد الإسلامي لا يَقْصر الأفق الزمني لسلوك المستهلك على الحياة الدُّنيا، بل إنه يمزج بين فلاَح الدنيا والآخرة، ويمدد الزمن لما بعد الموت فلا يقطعه بانتهاء حياة الإنسان في الدنيا، ويربط بين كلٍّ من الحياتين بوشيجة متينة، وهي وشيجة العلَّة والمعلول، مما يجعل تصرُّفات الإنسان في الحياة الدنيا مؤثِّرة في نتائج الآخرة ، يقول - سبحانه -: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ [القصص: 77].
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله : ((إنْ قامت الساعة وفي يد أحدكم فَسِيلة فإن استطاع ألاَّ تقوم الساعة حتى يغرسها  فلْيغرسها)).
وعلى هذا الأساس يكون الزمن الذي تظهر فيه نتائج السلوك ومنافعه، ومن ثَم تحقيق النجاح، ليس حكرًا على الحياة الدنيا، بل إلى الحياة الأخرى.
إن هذه المفاهيم والاعتقادات لها أثرَان مهمَّان على سلوك المستهلك ودالة منفعته :
أ - إنَّ نتيجة أيِّ عمل أو تصرُّف يختاره المستهلك تتألَّف من جزأين هما الأثر المباشر لهذا العمل في الحياة الدنيا، والأثر الأبعد في الحياة الأخرى، وبالتالي فإن المنفعة المستفادة من مثل هذا العمل هي مجموع القيمة الحالية لهذين الجزأين.
ب - إن عدد الاستعمالات الممكنة للوحْدة الواحدة من الدَّخْل المتاح للفرد يزداد زيادة كبيرة؛ بحيث يشمل كلَّ تلك الوجوه التي تنتج أثرها في الحياة الآخرة وحدها، دون أن يكون لها أيُّ نفع مادي في الحياة الدنيا للمنْفِق، وذلك كالإنفاق على الفقراء والمساكين والمصالح العامة والأجيال القادمة، عن طريق الوَقْف الخيري، وكالقرض الحسَن، وغير ذلك من الوجوه الخيِّرة التي لا تدخل تحت تعريف الرشد الاقتصادي في الاقتصاد الرأسمالي؛ لأنَّها ليس لها منفعة مباشرة للمنفق.
3 - الحرية الموجَّهة:
إن كان الإسلام يَدعم حرية الفرد الشخصية في الاختيار والتفاوض وتحديد عائداته، فإنه - مع ذلك - لا يُقِر الحرية المطلقة  (اختيارات المستهلك)، ولا يميل إلى (الضبط الاستهلاكي)، بل يدعم الحرِّية الموجَّهة، تلك الحرية المستنيرة بتعاليم الدِّين، والتي تهدف إلى إيجاد الوئام والانسجام بين مصلحة الفرد والمجتمع.
وذلك لأن المال في الاقتصاد الإسلامي عند المستهلك المسلم وديعة، والتصرُّف في هذه الوديعة أو الأمانة يجب أن يتمَّ ضمن إطار التعليمات الإسلامية، وما جاوز ذلك يمكن اعتباره غير شرعي، يحاسَب عليه الفرد؛ لما قد يسبِّبه من أضرار تلحق ببعض أفراد المجتمع، ودليل ذلك قوله - تعالى -: ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾ [البقرة: 205].
4 - المنفعة المادِّية والروحية:
إن الإسلام لا يثبِّط الهمم في السعي والكسب وتحقيق مستويات معيشيَّة جيِّدة لأفراد المجتمع، بل إنَّ ذلك يُعَد فضيلة أو صفة من صفات المؤمنين، إلا أنه يشترط أن يكون تحقيق ذلك متَّسِقًا مع المفاهيم والتعاليم الإسلامية؛ ولذا نجد أن دالة المنفعة بالنسبة للمستهلك المسلم تحوي متغيِّرًا إضافيًّا إلى الجانب المتعة المادية، هو الثواب (أو العقاب) في الحياة الآخرة.
ومن ثم فلا غرابة أن نجد وجوهًا للإنفاق تبدو اقتصادية، ولا تولِّد منفعة في المفهوم الرأسمالي، بينما تولِّد منفعة عظيمة في المفهوم الإسلامي مثل الجهاد في سبيل الله، ومساعدة الفقراء والمحتاجين، والجار، وغيرها من صنوف البِرِّ والإحسان.

ومن خلال دراسته، أمكن التوصل إلى ما يلي:
1 - سلوك المستهلك موجَّه نحو تحقيق أقصى الرَّفاهية من إنفاقه لدخله النقدي على الاستهلاك، وهذا يتضمَّن أيضًا العمل لما بعد الموت، متمثِّلاً في مراعاة رفاهة الآخرين، وهو ما يعبَّر عنه بالرشد الاقتصادي في مجال  الاستهلاك.
2 - الاقتصاد الإسلامي يَنطلق من مبدأ الارتباط الشامل بين القِيَم الدينية والمعايير الأخلاقية وبين قرارات الحياة اليومية على مستوى الفرد أو الدولة؛ إذْ هو يرفض الفصل بين تلك القيم وبين التحليل النظري أو التطبيقي للمشكلات الاقتصادية.
3 - تُسْهِم قواعد الاستهلاك وأخلاقياته في ترشيد الإنفاق الاستهلاكي، وفي تكييف الهيكل السلعي للطلب الفعلي في المجتمع، لصالح الحاجات الضرورية وشبه الضرورية، ثم الكمالية.
4 - تتضمن فريضة الزكاة مثلاً، التي تلتزم الدولة الإسلامية بمراقبة تنفيذها، تتضمَّن توجيه جانب متجدِّد بصورة دورية للفئات منخفضة الدَّخل ذات الميل الحدِّي المرتفع لاستهلاك الضروريات، ومن ثَم فإن ذلك يشكل طلبًا متجددًا على تلك السلع، في الوقت الذي يحرِّم الإسلام استخدام بعض المنتجات التي تدخل في مجال التَّرف الفاحش (كأواني الذهب والفضة)، بمعنى عدم توجيه الموارد ابتداء لإنتاج تلك السلع.
5 - إن الاقتصاد الإسلامي من خلال الضوابط التي افترضها على نمَطِ الاستهلاك وسلوك المستهلك، يمارس تأثيرًا مباشرًا في تحديد نوعية الطلب وحجم واتجاهات نموِّه من خلال مراحل تقدُّم المجتمع، وذلك يؤثِّر بالتالي في حجم الموارد المطلوبة وتخصيصها لإنتاج التوليفة التي تشبع احتياجات المجتمع في إطار تلك الضوابط.
6 - إن ضوابط السلوك الاستهلاكي من حيث كراهية المباهاة والتظاهر، وتفضيل التقشُّف والبساطة والاعتدال في المعيشة، تؤدِّي بصورة  غير مباشرة إلى الحدِّ من إنتاج السلع الكمالية، أو السلع ذات المحتوى التَّرفي، حتى لو لم تكن تلك السلع محرمة.
وفي ختام هذه النتائج، أرجو أن أكون قد وُفِّقتُ في تحقيق الهدف الذي سعيتُ من أجله، فإن كان كذلك، فبتوفيق من الله - عزَّ وجلَّ - وإن كان غير ذلك، فحسْبي أني بذلتُ جهدي، وأسأل الله العفو عن ما كان من نقص أو قصور أو خطأ، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله الهادي إلى سواء السبيل.

الخلاصة

        لمعرفة سلوك المستهلك يعتمد رجال التسويق على تبيان جملة من النماذج والتي يصطلح عليها بنماذج سلوك المستهلك، والتي يحدد على أساسها اتخاذ قرار الشراء، فتجدر الإشارة إلى أن دراسة نماذج سلوك المستهلك تعتبر من أبرز الوسائل التي تشكل حلقة اتصال دائمة بين المستهلك والمحيط الخارجي وبين رجل التسويق والمستهلك سواء كان نهائيا أو صناعيا، وفي الختام نخلص إلى واقع ملموس يحتم علينا دراسة ومعرفة سلوك المستهلك لتسهيل قرار الشراء الذي يعد أصعب مرحلة في التفضيل بين البدائل عند الشراء ، إذ أن سلوك المستهلك من أهم الضوابط التي يتحدد من خلالها مصير منظمات الأعمال في المجالات التسويقية.فالمؤسسة الناجحة هي تلك المؤسسة التي تجعل من أولى

اولوياتها دراسة سلوك المستهلك لأنه من خلاله يتحدد مصير منتجات أو خدمات هذه المؤسسة، وبالتالي فالمؤسسة لاتنتج سلعة أو تقدم خدمة ثم تفكر في تسويقها فهنا يظهر عائق تكاليف التخزين وبالتالي الكساد أو نشوء المنافسة الخانقة، لذا يتعين على المؤسسة أن تنتج ما يسوق ، وهنا الأهمية البالغة لدراسة سلوك المستهلك من اجل تصميم المنتجات وتنويعها أو تقديم الخدمات و تحسينها وفق رغبات وميولات المستهلكين الحاليين و المتوقعين ،وبالتالي تستطيع المؤسسة أن تكتسب مع توظيف و استغلال عناصر المزيج التسويقي ميزة تنافسية.





المراجع

-     بن شني يوسف ، التسويق المعمق ، 2011 .

-   د زيد بن محمد الرمانى ، الرؤية الإسلامية لسلوك المستهلك ، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، المملكة العربية السعودية 

تحياتى ،،،
أحمد العربى